فصل
وأمَّا رُوِي عن عائشةَ من قولها في أحرفٍ في المصحفِ إنها لحن.
وإنها من غلطِ الكاتب، فإنهُ أيضاً جاري مجرى الخبرِ المروي عن عثمانَ في
هذا الباب، لأنه من أخبارِ الآحاد ِ التي لم تقُم الحجَّة ُ بها، ولا سبيلَ إلى
العلمِ بصحَّتها لا من ناحيةِ الضرورة، ولا من جهةِ الدليل، وكل شيءٍ ثَبتَ
أنه من الروايةِ عن عثمانَ من أخبارِ الآحاد، فإنه بتعيّنه دالٌّ على أن هذهِ
الرِّوايةَ من أخبارِ الآحاد ِ فلا حاجةَ بنا إلى إعادتِه، ولم يروِ هذا الخبرُ عنها
إلاّ عُروةُ بنُ الزُبير وحدَه، وعروةُ عندنا غيرُ متهمٍ ولا ظنين بل ثقةٌ أمينُ
وعدلٌ صدوق، غير أننا لا نعلمُ ضرورةً ولا استدلالاً صحة َ هذه الرواية ِ عن عُروة، ولا يُقطعُ على أنه رَوَى ذلكَ عن عائشة، ولا ندري كيفَ حالُ الروايةِ كذلكَ عند عبدِ الله.
ومتى كانَ ذلك كذلكَ لم نُجِز القطعَ على أن عائشةَ حكَمت أن في
المصحَفِ حُروفاً ملحونةً أخطأ فيها الكاتبُ والمملي والمجتمعونَ على كَتْبِ
المصحفِ وعرضه، وهُم قوم من جِلَّة الصَّحابة، وأهل ثقةٍ وأمانةٍ وبراعة.
ولسِنٍ وعِلمٍ وفَهمٍ ثاقبٍ بصحيحِ الكلام والسائغِ الجائزِ منهُ في اللُّغة
والملحونُ الفاسدُ الذي لا يحْسُن ولا يسوغ التكلّمُ به، لأن ذلكَ قذفاً منها
لهُم بالتجهيلِ والتخطئة، والنسبةِ إلى ما يبعدُونَ عنه، أو بالتُّهمةِ وقِبحِ الطنةِ
وقصدِ التمويهِ والإلباسِ في كتاب الله، وكل ذلك منفي عنهم، ويجبُ أن
يُنفى أيضاً عن عائشةَ قذفُهم بذلك، لأنها أعلمُ بعدالتِهم وأعرفُ بثاقبِ