عُلمَ بذلكَ أنَّهم لم يُمسكوا عن المعارضةِ في هذا الأمرِ العظيمِ إلا لعلمِهم
بصوابِ ما قالَه عثمانُ وعائشةُ ومعرفتُهم بذلك، ولولا هذا لأنكروا هذا
القولَ وردوه، ولم يكن في موضعِ العادةِ أن لا يقدحَ قادح منهم في هذا
القول، مع اعتقادِهم خطاَ قائلهِ وصخةَ ما نسبهُ إلى الخطا واللّحن، ولو رَد
هذا منُهم رَاد وقدحَ فيه قادح لوجبَ في مستقر العادةِ ظهورُ رده وقدحه.
وأن يُعلمَ في الجملةِ أن ذلكَ أمر قد رُوي كَما رُوِيَ ما هُوَ قدح فيه من قِبلِ
عثمانَ وعائشة، وإذا لم يكن ذلكَ كذلكَ ثبتَ أن هذا القولَ كان مسلَّماَ في
الصحابة، وغيرَ مردودٍ إن كان قد ثبتَ صحة ُ هذه الرواية ِ وظهورِها في
الصحابةِ على ما يدعون، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ وجبَ علمُ سائرِ الصّحابةِ
والدهماءِ منهم بوقوعِ هذا اللّحنِ والخطأ في المصَحفِ وبانَ بذلكَ جهلُ من
نسبَهم إلى الجهلِ به والذهابِ عن الصواب.
وكذلك هذه الرواية ُ إن كانت صحيحةً على ما يدّعون، فقد ناقضوا في
قولهم إن عثمانَ وعائشةَ وكثيراً من الصَّحابة ِ قصَدُوا إلى تحريفٍ بالمصحَفِ
وتبديلهِ والإلباسِ على الأمَّةِ فيه والغِشِّ لها والإدغالِ في دينها بإثباتِ اللحنِ
والخطأ فيه، لانهما لو قَصدا ذلكَ لكتما ذِكرَ اللحنِ وأعرَضا عنه وتغافَلا
عنه ولم يُناديا به وينتها، وكذلك الباقونَ منهم لو قصدُوا أو بعضُهم غِش مَنْ
بَعدهُم والإلباسَ في كتاب اللهِ لناقضوا عائشةَ وعثمانَ وردوا عليهما واحتجوا
للحنَ والخطأ وألبسوا ترتيبه ورد قولِ من نبهَ عليه، حتى يُصوروا الباطلَ
بصورةِ الحق، هذه سبيلُ من قصدَ الإلباسَ والتّمويهَ وكِتمانَ الصوابِ وطيه
ونشرَ الباطلِ وإذاعتَه، والدعاءَ إليه، فلمَّا أظهرت عائشةُ وعثمانُ هذا القولَ ورضيَ بهِ الباقُون وأقرُّوهُ وصوبُوه وعدَلوا عن القَدحِ فيه والاعتراضِ عليه،