ثبت أنَّهم جميعا أنصارُ الحقً، وأهلُ الحياطَةِ والحِراسةِ لكتابِ اللهِ والتنبيهِ
على الواجبِ لهُ وفيه، وما يجبُ أن نعتقدَ في صحيحِ ما ثَبتَ فيه، وغَلطِ من
أدخلَ فيه ما ليسَ منه، وكيفَ ينُسب قوم هذه سبيلُهم إلى التمويهِ وقصدِ
الإلباسِ والإدغالِ للذين وأهله، لولا الغباوَةُ وجهلُ من يعتقدُ ذلكَ فيهم.
ويروي مثلَ هذه الرَِّوايةِ عنهم، وبمواضعِ التخليطِ والمناقضةِ في كلامهِ
واحتجاجه، ونحنُ الآنَ نبيِّنُ وَجهَ التأويلِ في هاتينِ الرِّوايتينِ لو صحتا عن
عثمانَ وعائشةَ وما الذي قصَداهُ بذلك، وأنهما لم يعتقدا أن في القرآن
لحناً لا يجوزُ في لُغةٍ منه وعلى كل وجه.
فنقول وبالله التوفيق: إنهُ يمكنُ إن كانت هذه الرَِّواية ُ صحيحَةً أن يكونَ
عثمانُ لما أرادَ بقوله: "أرى فيه لحناً وستقيمه العربُ بألسنتِها"، إن فيه لحنا
في لغةِ بعضِ العربِ وعلى مذهَب قبيلةٍ منهم لا يتكلمونَ بتلكَ الكلماتِ
على الوَجهِ الذي أُثبِتَ في المصحَف، وأن من لَم يألف الكلامَ بتلكَ
الحروفِ على ذلكَ الوجهِ اعتقدَ أنه لحن وأئه لا يُقرأ به، وأن لسانَه لا ينطلقُ
به، ولا يمكنُهُ مفارقةُ نشوءهِ وطبعِه وعادتِه في الكلام، فأرادَ بقوله إنه لحن
عند من اعتقد ذلكَ وصعُبَ عليه التكلُّمُ به، واستكبرهُ وخفَي عليه وظن
لأجلِ ذلكَ أن اللهَ لم ينزلهُ ولم يقل ذلكَ على سبيلِ القطعِ بأنه لحن وأنه غيرُ
جائز، وأراد بقولهِ: لتقيمَنه العربُ بألسِنتها أنه ستقرأ تلكَ الكلماتُ ويَنطقُ
بها كل ناطقٍ منهم على الجائزِ في لغتهِ والمألوفِ في طبعهِ وعادته، فيتكلمُ
بهِ قوم على وجهِ ما ثَبتَ في المصحفِ إذا كانَ التكلمُ به على ذلكَ الوَجهِ
لسانَهم، ويتكلمُ به آخرون َ على الوجهِ الشائعِ الجائزِ المألوفِ في لُغته، لأن
اللهَ سبحانهُ أطلقَ القِراءةَ بتلكَ الأحرفِ على هذهِ الوجوهِ المختلفةِ نظراً
لعبادهِ وتسهيلاً عليهم وتخفيفا لمحنتهم في التكليف، ولم يُردِ بقولهِ: ولتقيمنه