اللَّحنِ، فقال: لا تُغيروها فإن العربَ ستغيرُها، أو قالَ: ستغيرُ بها بألسِنتها.
أو كانَ الكاتبُ من ثقيفٍ والمملي من هُذيلٍ لم تُؤخذ فيهِ هذهِ الحروف.
وإنما قصدَ بذلكَ واللهُ أعلم، أن ثقيفاً كانت أبصرَ بالهِجاءِ وأشد تمسُكا
في الكتابةِ بمخارجِ الألفاظِ وأعلمَ بذلك، وأن هُذيلاً تُظهرُ الهَمزَ في ألفاظِها
وتكثِرُ استعمالَها في مواضعَ لا تستعملهُ قريش، والهمزةُ إذا بانَت وظهرَت
في لفظِ الممِلي سَمعها الكاتبُ وصورها على مخرجِ اللَّفظِ، وكانَ القاريءُ
لذلكَ الرَّسمِ مخيراً بينَ أن يسلُكَ طريقةَ قريشٍ فَيُلَيِّنَ ويُسقطَ الهمز، وبينَ أن
يهمرِ على لُغةِ هُذيل، ومتى لم يُحمل قولهُ هذا على ما ذكرنَاه لم يكن لذِكرِ
ثقيفٍ وهُذيلٍ معنىً يُعرفُ وتقفُ عليه، ولذلِكَ قال عثمانُ: "لا يُمليَن
مَصاحِفنَا ولا يكتبها إلا غِلمانُ قريشٍ وثقيف، ولم يذكر هُذيلاً، لأنه لم يكن
يرى الهمزةَ في جميعَ المواضعِ التي تستعملُ هذيل فيها الهمزةَ.
وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ ثبتَ أن اللحنَ الذي أرادهَ عثمانُ هو غلطُ
الكاتبِ وتركهُ مُراعاةِ مَخرجِ اللَفظِ وحذفهِ في موضعِ ما هو ثابث في اللفظ.
وزيادتِه في موضعِ ما ليسَ فيه، ولم يقْصِدْ بذلكَ أن فيه لحنا لا يجوزُ التكلمُ
به، لأنه كانَ والصحابةُ والكتَبةُ للمصحَفِ وزيدُ بنُ ثابتٍ أجل قدراً وأفصحَ
لسانا وأثبتَ معرِفةً وفهما باللغةِ من أن يكتُبوا فيه لحنا، ويَذْهبُ ذلكَ على
الجماعةِ سِوى عثمانَ وعائشة، ولو قَصَد عثمانُ بذكرِ اللحنِ هذهِ الحُروفَ
الأربعةَ التي يُدَّعى أنَّها لحن، لم يجُرْ أن يعدِلَ عن تغييرِها ومحوِها وإثباتِها
على الواجبِ الصحيح مع قلتها ونزاردها، وأنه لا كُلفةَ عليه ولا على الكتَبةِ وكلِ مَن عندهُ نسخةَ في تغييرها ورسمِها على الصواب، فلا عُذرَ لهم في ذلك.


الصفحة التالية
Icon