فوجبَ أنّه إنما أرادَ بذكرِ اللحنِ الهِجاءَ الذي رُسِمَ على غيرِ مُطابقةِ
اللفظِ ومِنهاجه، وأنه لمَّا رأى ذلكَ قد اتسعَ وكثرُ في المُصحف كثرةً يطول
تتبعها، ويحتاجُ معها إلى إبطالِ النُّسخةِ التي رُفعتْ إليه، واستئنافِ غيرها.
إلزامَ الكَتَبةِ في ذلكَ وسائِر من عِندهُ نسخةٌ منه كُلفةً ومشقةً شديدة، وعَلم أن ذلكَ يصعبُ على أهلِ الذكاءِ والفِطنةِ الذين نَصَّبَهم لكتبةِ المصحفِ
وعَرضه، لأنهم لم يعتادوا الكتابةَ إلا على ذلكَ الوجه، وأن أيديَهم لا تجري
إلا به، أو خافَ نفورَهم مِنْ ذلك، وتنكُرَهُم لهُ ونسبتَهم إلى ميلٍ عليهم
وقدح فيهم، وخشيَ حصولَ قالةٍ وتَفرقِ الكلمةِ فأبقاهُ على ما رُفع إليه من
لحنِ الهجاء، وقال: إن العربَ ستقيمهُ بألسنتِها، لموضعِ شُهرةِ تلكَ
الألفاظ، وعلمه وعلم الناس بأن العرَبَ لا تتكلمُ بها أبداً على ما قيلت
ورُسمت في الخط، وإذا كانَ ذلكَ بانَ صحةُ ما قلناهُ وبطلانُ ما قَدَّروه.
فإن قالوا: على هذا الجوابِ فقد صرتُم إلى أنّه قد وقعَ في خط المصحفِ
ورسمهِ خطأ، وما ليسَ بصواب، وما كان غيرُه أولى منه، وأنّ القومَ أجازوا
ذلكَ وأمضوه وسوّغوه، وذلكَ إجماعٌ منهم على خطأ، وإقرار بما ليسَ
بصواب.
يقالُ لهم: لا يجبُ ما قلُتم، لأجلِ أن اللهَ إنما أوجبَ على القُراءِ
والحفظةِ أن يقرؤُوا القرآنَ ويُؤَدُوهُ على منهاجٍ محدود، وسبيلِ ما أنزلَ
عليه، وأن لا يُجاوزوا ذلكَ ولا يُؤَخرِوا منه مقدماً ولا يقدموا مؤخراً، ولا
يزيدوا فيه حَرفا ولا يُنقصوا منه شيئا، ولا يأتونَ به على المعنى والتعريبِ
دونَ لفظِ التنزيلِ على ما بيّناهُ فيما سلف، ولم يأخذ على كَتبةِ القرآنِ وحفاظ المصاحفِ رسما بعينِه دونَ غيرِه أوجبَهُ عليهم وحظرَ ما عداه، لأن ذلكَ لا يجبُ لو كانَ واجبا إلا بالسمعِ والتوقيف، وليسَ في نص الكِتابِ ولا في