مضمونهِ ولحنِه أن رسمَ القرآنِ وخطه لا يجوزُ إلا على وجهٍ مخصوصٍ وحد
محدود، ولا يجوزُ تجاوُزه إلى غيره، ولا في نص السُّنَّةِ أيضا ما يُوجبُ
ذلكَ ويدلُّ عليه، ولا هُو مما أجمعت عليهِ الأمة، ولا دلتْ عليه المقاييسُ
الشّرعية، بل السُّنَّةُ قد دلت على جوازِ كَتبهِ بأي رسمٍ سَهلٍ وسَنحَ للكاتب، لأن رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ كان يأمرُ برسمِه وإثباتهِ على ما بيناهُ سالفا، ولا يأخذُ أحداً بخطٍ محدودٍ ورسم محصورٍ ولا يسألهُم عن ذلكَ، ولا يُحفط
عنه فيه حرف واحد، ولأجلِ ذلكَ اختلفت خُطوطُ المصاحف، وكانَ منهم
من يكتبُ الكلِمةَ على مطابقةِ مخرجِ اللفظ، ومنهم من يحذفُ أو يزيدُ مما
يَعلمُ أنه أولى في القياسِ بمطابقتهِ وسياقهِ ومخرجه، غير أنه يستجيزُ ذلك
لعلمهِ بأنه اصطلاح وأنّ الناسَ لا يخفى عليهم، ولأجلِ هذا بعنيه جاز أن
يُكتبَ بالحروفِ الكوفيةِ والخط الأول، وأن يَجعل اللامَ على صورةِ الكافِ
وأن يُعَوجَ الألِفات، وأن يكتُبَ أيضاً على غيرِ هذهِ الوجوه، وساغَ أن يكتبَ الكاتبُ المصحَفَ على الخط والهجاءِ القديمين، وجازَ أن يَكْتبَ بالهجاءِ
والخطوطِ المُحدَثة، وجازَ أن يكتُبَ بينَ ذلك.
وإذا عُلمَ وثبتَ أن خطوطَ المصاحفِ وكثيراً من حروفِها مختلفة متغايرةُ
الصورة، وأن النّاسَ قد أجازوا ذلكَ أجمعَ ولم يُنكرْ أحد منهم على غيرهِ
مخالفةً لرسمِه وصورةِ خطه، بل أجازُوا أن يكتبَ كل واحدٍ بما هو عادتهُ
واشتُهر عنده، وما هو أسهلُ وأولى من غيرِ تأثيمٍ ولا تناكرٍ لذلك، عُلمَ
أنه لم يُوجد على الناسِ في ذلكَ حد محدود محصور، كما أخِذ عليهم في
القراءةِ والأداء، والسببُ في ذلكَ أن الخطوطَ إنما هيَ علاماتٌ ورسوم
تجري مجرى الإشاراتِ والعقودِ والرموز وكل شيءٍ يدلُّ على اللغظِ وينبَي
عنه، وإذا دكَ الرسمُ على الكلمةِ وطريقها والوجهِ الذي يجبُ التكلُّمُ عليه


الصفحة التالية
Icon