بها، وجبَ صحتُه وصوابُ الكاتبِ له على أي صورةٍ كان وأي سبيلٍ كَتب، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ بطلَ ما توهموه.
وفي الجُملةِ فإن كل من ادّعى أنه قد ألزَمَ الناسَ وأخذَ عليهم في كَتبِ
المصحَفِ رَسماً محصوراً وصُورةً محدودةً لا يجوزُ العدولُ عنها إلى غيرِها.
لزِمه إقامةُ الحجَّة ِ وإيرادُ السمعِ الدالِ على ذلكَ وأنى لهُ به، وإن عارضوا
بمثلِ هذا في قراءةِ القرآنِ على إيرادٍ معناهُ أي لفظٍ كان وعلى أي سبيلٍ تسنحَ وبوجه، وقد بينا من قبلُ الحجَّة َ على فسادِ ذلكَ بغيرِ طريقٍ فأغنى عن
إعادته.
فأما قولُ عائشةَ في تلكَ الحروفِ إنها من غلَطِ الكاتب، فقد قُلنا فيه أنه
أيضا من أخبارِ الآحاد ِ التي لا حجَّةَ فيها، وأنه لا يسوغُ لذي دينٍ أن يقطعَ
على أن عائشةَ لحَّنتِ الصَّحابة َ وخطأتِ الكَتَبة، ومحلُّهم من الفصاحةِ والعلمِ
بالعربيةِ محلُّهم بمثلِ هذه الرِّواية، على أن فيها ما يدّلُ على بطلانِ الخبرِ
عنها، لأنها خطأت الكاتبَ في جميعِ هذه الحروفِ ومنها ثلاثةٌ جائزة سائغة
عند سائرِ أهلِ العربيةِ وواحد ليس هوَ من لُغةِ قريش، وهو قولُه: "إن هذانِ
لَساحِران "، يُذكرُ أنه لغة بالحارث بنِ كعب، فلو كانت خطأت الكاتبَ في
هذا الحرفِ فقط لخروجِه عن لغةِ قريش، لكانَ الأمرُ أقرب، فأما أن تخطئَهُ
فيما لا خلافَ في جوازِه في كل لغة، وإن كانَ غيرُ ذلكَ الوجهِ أشهرَ وأظهر
فإنها بعيدة فيه لبراعتِها وفصاحتِها وكونها من العلماءِ باللِّسانِ ووجوه
الخطابِ والإعراب.