والأشبهَ فيما يُروى عنها وعن غيرها من الصَّحابة في هذا البابِ إن صح
وسلِمَ مسندهُ وطريقه، أن يكونوا قالوا: إن الوجهَ الأشهرَ الظاهرَ المعروفَ
المألوفَ في هذهِ الحروفِ غيرُ ما جاءَ به المصحفُ ووردَ به التنزيل، وإنَّ
استعمالَه على ذلك الوجهِ غامض قليل، أو غلط عند كثيرٍ من الناس، ولحن
عند من لا يعرفُ الوجهَ فيه ونحو هذا الكلامِ فلم بَضبطْ ذلكَ الرواةُ عنهم.
ولم يسمعوا علته ولم يورِدوه على وجهِه، إمّا لسهوٍ لَحِقَهم أو لذهابِهم عن
سماعِ تمامِ الكلام، أو لاقتصارِهم على شاهدِ الحالِ وإذكارِهم بذلك من
كانَ سمعَ هذا الكلامَ من عائشةَ وعثمان، فأمَّا أن يقطعَ عثمانُ وعائشةُ على
أن في القرآنِ لحنا وغلطا وقعَ من الكَتبةِ فذلكَ باطل لما بينَاه سالفا.
فأمَّا قولهُ تعالى: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)، فإنه يجوزُ قراءتهُ على موافقةِ
خط المصحفِ الذي نقلتهُ الجماعةُ وقامت به الحجَّة، ويجوزُ أيضاً قراءتهُ
بمخالفةِ خط المصحفِ وأن يُتلَى: "إنَّ هذينِ لساحران ".
فأمّا ما يدلُّ على صحة قراءتهِ على موافقة خط المصحفِ فنقلُ جماعةِ
الأمّةِ الذين ببعضِهم تقومُ الحجّةُ على أن القرآنَ منزل على وجهِ موافقةِ
المصحف، وأنه يجوزُ أن يُقرأ: "إن هذان لساحرانِ "، وأنّ ما تضمنه
المصحفُ مِن هذا الحرفِ وغيرهِ صحيح سليم من الخطأ، فلا وجهَ لإنكارِ
ذلكَ وتخطئةِ القاريءِ بهِ مع النّقلِ والإجماعِ الذي وصفناه، وقد قالَ قائلونَ
من جلَّةِ أهلِ النحو: إن إثباتَ الألفِ في الرّفعِ والنّصبِ والخفضِ في هذانِ
هو الأصح وهو القياس، قالوا: لأنّ الألفَ في ذلكَ تَتبعُ فتحةَ ما قبلها كما
أن الواوَ في مسلمونَ تابعة لضمة ما قبلها، والياءَ في مسلمين تابعة للكسرةِ
ما قبلها، قالوا وغيرهُم من سائِر الناسِ والرواة: وهذه اللغةُ هي لغةُ