هذهِ الطبقةَ لا تقرأ بما تعلمُ أنه مخالِف للتَّنزِيل، وأن الأمَّة َ لا تتركُ تأثيمهم
وتضليلهم مع عِلمهم بأنَّهم قد قَرؤوا وأقرأوا الناسَ بخلاف المنزّل، وبما لا
يجوزُ ويسوغ، وإذا كان ذلك كذلكَ ثبتَ بهذهِ الجُملةِ جوازُ قراءةِ هذا
الحرفِ على الوجهَين واللحنينِ جميعآ.
وقد كانَ عمرُ بن الخطاب رضيَ اللهُ عنه يختارُ أن لا يقرَأ النّاسُ إلا بلُغة
قريش، وروى الئاسُ عنه أيضًا: أنّه سَمعَ رجلاً يقرأ هذا الحرفَ مِن يُوسُف: ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ (عتَّى) حِينٍ﴾، فقالَ لهُ عُمر: من أقرأك هذا.
قال: ابنُ مُسعود، قال عمرُ: (لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حين)، ثمَّ كتبَ إلى ابنِ
مسعود: سلام عليك، أمَا بعدُ فإنّ اللهَ أنزلَ هذا القرآنَ فجعلَه قرآناً عربياً
مُبينا، وأنزله بلُغةِ هذا الحيِّ مِن قريش، فإذا أتاكَ كتابي هذا فأقريءِ النّاسَ
بلُغةِ هذا الحيِّ مِن قُريش، ولا تُقرئهُم بلُغةِ هُذَيل ".
فهذا عمرُ يختارُ أن لا يقرَأ النّاسُ إلاّ بموافقةِ لُغةِ قريش، وليسَ هذا
القولُ مِن عُمر، ومِن كلِّ من روُىَ عنه إنكاراً لأن يقرأ الناسُ بغيرِ لغةِ قريشٍ
إذا كان مُنزَّلاً بلُغةِ قريش، وبوجهٍ يخالفُ لغَتهم، وكانت الحجّةُ قد قامتْ
بذلك، ولكئهُ اختيار منهم لملازمة لغةِ قريشِ، لأنها هِيَ الأظهرُ المعروفة.
والناسُ لها آلفَ، والألسُن بها أجرى، والقلوبُ لها أوعى، وليسَ يمنعُ ذلكَ
من أن يُنزله اللهُ سبحانهُ بخلافِ الوجهِ الأظهر، كما أنزلَه على الوجهِ الأظهرِ
المعروف " وقد ينظمُ الشاعرُ قصيدةً ويُنشىءُ الخطيب خطبة، ويعملُ المترسِّلُ
رسالة، فيُعربُ كل واحدٍ منهم بكلمةٍ في قصيدَته وخُطبتِه فيكونُ ذلكَ سائغاً