جائزاً، غيرَ أنه مما يقلُ استعمالُه ومعرفةُ الناسِ بجوازه، ويكونُ الأظهرُ
الأشهرُ غيرُه، وكذلكَ يسوغُ أن يُنزًلَ الله الكلمةَ بقراءتينِ إحداهُما أظهرُ
وأشهر، ولا ننكرُ معَ ذلكَ أن يكونَ الرسول ُ قد أقرأ في أكثرِ أيامه في آخرِ
عُمره، وآخرِ عَرضهٍ عَرض القرآنَ فيها بالوجهِ الذي يخالفُ خط المصحف.
ليبيًنَ لهم أنّه منزَل على ذلكَ الوجه، وليستفيضَ ويظهرَ عنه، وأن يكونَ كثرُ الناسِ قد قرأوا على عصرهِ وبعدِه بموافقةِ خطً المصحفِ للذي هو الأقل في الاستعمال، ولم يلتفتوا إلى أن ذلكَ ليسَ بمعروفٍ في لُغةِ قريش، لأن الغَرضَ في ذلكَ القراءةُ بالجائز، وما كثُرَ استعمالُه وأن يؤثروا القرَءاةَ على آخرِ ما وقعَ عليه العرض، وإن كانَ غيرهُ شائعا جائزاً، وإذا كانَ ذلكَ كذلك ثبتَ بما وصفناهُ جوازُ القرائتَين جميعا وأن الكَلمةَ منزلة على الوجهَينِ جَميعا.
وأما قولهُ تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ)، فقد اختُلفت في وجهِ القراءَةِ بالصابرين.
فقالَ بعضُهم: هو نصب على المدح، والعرَبُ تنصِبُ على الذم والمدح، كأنهم - زعموا - قَرنوا قراءةَ المدحِ بمدح مجددٍ غيرِ متبعِ لأولِ الكلام، وقال بعضُهم: إنما نصبَ الصابرينَ لأنه أراد: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ)
لأن الباساءَ الفقر، وكأنهُ قالَ: وءاتى الفقراء، والضراء: البلاءُ في البَدنِ من المرضِ والزمانة، وكأنَّه قالَ: وآتى المالَ الصابرينَ من الفقراءِ وأصحابَ
البلاء الصابرين على فقرِهم وبلائهم الذينَ لا يسألونَ ولا يُلحُّون، وجَعلَ
المُوفينَ وُسطاءَ بينَ المعطينَ والضابرينَ نسَقا على مَن آمنَ باللهِ وهذا بين غير
متعسَّف ولا مستبعد، والقراءُ جميعا على نصبِ الصابرينَ إلا عاصم الجُحدري،