قرأ عليهمُ الأعمشُ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ أنه كان يقرأ: "فأصدقَ وأكون "، وهذه القِراءةُ هيَ قِراءةُ ابنِ مُحيصِ وأبي عَمرو بنِ العلاءِ وعيسى بن عمرَ
الثّقفيّ، وكل هذهِ الأخبارِ والروايات، وعملُ القراءِ بذلكَ وتجويزهم له.
أوضحُ دليلٍ على جوازِ القِراءةِ بهذا الوَجه، أعني النصبَ لجوازِها بالجزم.
لأن مثلَ هذا الحذفِ المثبَتِ في المصحَفِ على خلافِ الوَجهِ الأشهرِ الظاهرِ
يُحركُ دواعيَ القومِ وهمَمهم عن البحثِ عنه، والسؤال عما لأجلِه ثبتَ في
الإمامِ بخلافِ الوجهِ الأظهر، وكيفَ سبيلُه والمخرجُ عنه، وكيفَ هو في
قراءةِ عبدِ اللهِ وأبى وغيرهما من القرّاءِ المشهورين المنتصبينَ لإقراء القرآن.
ولا يجوزُ في مستقرِّ العادةِ وما رُكُبت عليه الطباعُ إهمالُ الأمّةِ لذلك.
وذهابُ أهلِ القرآنِ عن البحثِ عن ذلك، والسؤالِ عن قِراءةٍ في حَرْفِ كلِّ
مشهورٍ بالقراءة، ومعروفٍ بالأخذِ عنه، ولو كشفَ لهمُ البحثُ والسؤالُ عن أنه مقروءاً في كلِّ حرفٍ وعندَ كلِّ قارئٍ على وجهٍ واحدٍ لا يسوغ غيره، لتوفرت همُمهم ودواعيِهم على نقلِ ذلكَ عن كافتهم، واشتهارهِ ولارتفعَ
الخِلاف فيه، ولم يخفَ عليهم إجماعُ القرّاءِ عليه والمُضيّ على ذلكَ الخلفُ
بعدَهم والمتبعونَ لهم.
ولما لم يكن ذلكَ كذلكَ وكانت القِراءةُ بالنصب، وإثباتُ القرّاءِ ظاهر
مِنهم ومشهور عَنهم، وكانت مقروءَةً ومأخوذاً بها عند جماعةٍ من الأئمّة
والخَلفِ الصالح، ثبت بذلكَ إشهارُ القرائتينِ جميعا، وأن الحرفَ مقروء على
الوجهين، وأن القوم قد وقفوا على أن الحرفَ منزَّل على الوجهينِ جميعاً.
فإن السنة قاضية بذلك فهذهِ جملة تكشفُ عن جوازَ القراءتينِ على الوجهين
جميعا، وأن القومَ قد وقفوا على أنّ الحرفَ متزل على الوجهين جميعا
وصحّتها، وغلطِ من زعمَ أنّه لا يجوزُ قراءةُ الحرفِ بالنّصب، وإثباتِ الواو.


الصفحة التالية
Icon