بخلافِ خطّ المصحف، وعلى ما لا نعلمُ أن اللهَ سبحانهُ أنزلهَ عليه، وإن
كان سائغا ظاهراً وكانَ هوَ الأشهرَ في اللّغةِ العربية، لأنه قد يجوزُ أن "يتركَ
الحرفُ والحرفان على خلافِ الوجهِ الأظهر الأشهرِ على ما بيَّنَّاه من قبلُ إذا
كان لإنزالهِ على خلافِ ذلكَ في اللغةِ توجُّهاَ صحيحا، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ بطلَ ما سألوا عنه وطالبوا به.
فأمَّا ما يُروى عن عاصمٍ الجُحدريً مِن أنه كان إذا قَرأ: "والصابئونَ "
قرأهُ بالرفع، وإذا كتبهُ كتبهُ منصوبا كراهيةَ مخالفةِ خط المصحف، فإنه إن
ثبتَ عنه رِواية لِذلكَ عن السّلفِ وجبَ إجازةُ قراءتهِ على الوجهين، وإن لم
يكنْ عندهُ في ذلكَ رواية وكانَ مِن رأيهِ واجتهادهِ وظنهِ أن ذلك من
اللّحن، فإنه خطأ منه مردود، لأننا قد بينا جوازَ ذلك ووجهَ ما يجوزُ أن
يُضمر فيه فلا وجهَ لمخالفته إن لم تكن هناكَ رواية مشهورة عن الصَّحابةِ
الذين همُ السلفُ في جوازِ قِراءةِ هذا على خلافِ خط المصحفِ وهذه جملة
تكشفُ عن بطلانِ جميعِ ما يتوهمونه في هذا البابِ من دخولِ الخللِ والغلطِ
في نقلِ القرآنِ وجمعهِ وإثباتِه.
واعلموا رحمكمُ اللهُ. أنّ ضبطَ السلفِ والخَلفِ لهذهِ الأحرفِ اليسيرةِ
المعدودةِ وخوضهم فيها، واختلافِهم في وُجوهِ قواءتِها، وما ذُكر عن بعضهم: أنّها ملحونة على تأويلِ ما قلناه، أو: أنّها من غلطِ الكاتب، وقولُ بعضهم: إنه لا يجوزُ قراءةُ شيءِ منها على مخالفةِ خط المصحَف، وقولُ آخرين: يجوزُ ذلك، وقولُ بعضِهم: يجوزُ قراءةُ بعضها على مخالفةِ خط المصحفِ وعلى موافقته، ولا يجوزُ قراءةُ بعضها على مخالفةٍ خط المصحف، وحمل بعصهم نفسَه على أن يَقرأ بعضَها على مخالفةٍ خط المصحف، فإذا كتبهَ كتبه على موافقةِ خط المصحفِ كراهِيةَ مخالفةِ الإمامِ وكلامِ الناسِ في هذا الباب.