وتخريجِ الوُجوه وتقديرِ الحرفِ وإظهارِ الأسبابِ الذي يخرجُ بها الكلامُ
عن أن يكونَ لحنا إلى غيرِ ذلكَ مما ذُكر في هذا الباب من أدل الأمورِ على
صحةِ نقلِ القرآنِ وضبطه، وشهرةِ أمرهِ فيهم وظهورِ نقلهِ بينهم وإحاطتِهم
بعلمه ومعرفتهم بما ثبتَ منه وإدراكهم بعلمِ جميعهِ وبمعرفةِ نظمهِ وترتيبه.
وكمالهِ وسلامته، لأن العادةَ موضوعة على أن القومَ الذين لم يُهملوا الكلامَ
في هذه الأحرفِ اليسيرة، والبحثَ عنها وتطلبُ الوجوه لها، والكشفَ عن
معانيها والكلامَ في قراءتها وإثباتها، لا يجوز أن يذهبوا عن معرفة قرآنٍ قد
حذف ونقص، وعن علم قرآن زيدَ وبُدل وغير واختل عن نظمه وسننه.
وأزيلَ عن نظامه وترتيبه، بل موجَبُ العادة فيهم أنهم لو لحق كتابَهم اليسيرُ
من ذلك، لعَظُمَ خوضُهم واستدراكُهم له وتمادِيهم وتجادُلُهم فيه، وإذكارُ
بعضهم لبعضٍ موضعَ الغلط والإهمال، ولتفاقَم الأمرُ في ذلك وظهرَ وانتشرَ
وكثر الحديث به والقول فيه، وظهر ظهوراً تعلمه العذراء في خِدرها فضلاً
عن قُراء القرآن، وأصحاب السنن والآثار، ونَقَلة الحديث والأخبار، ولكانت عنايتهم بذلك واشتغالهم بالخوض فيه من أكثر شأنهم وأفشى شيءٍ فيهم، ولما لم يكن الأمر فيما يدعونه من تغيير القرآن ونقصانه وزيادته ومخالفة ترتيبه، وتقديم مؤخره وتأخير مقدمه، على ما ذكرنا وجبَ بهذه الجملة بطلانُ جميع ما يدعون من هذا الباب، وثبتَ بما وصفناه أن الله سبحانه قد عصمَ الأمةَ من ذهابها عن حفظ كتاب ربها، ونفى ذلك عنها، وحفظ عليها ولها ما استحفظها من كلامه، ورعا لها ما استرعاها من القيام بحفظ كتابه، وجمع لها ما ضَمِنَ جمعه، وحرسه من أن يأتيه الباطلُ من بين يديه، أو من خلفه على ما أخبر سبحانه بذلك في نص كتابه، وعلى لسان نبيه ورسوله.


الصفحة التالية
Icon