فهذا من الحجج القاهرة والأدلة الباهرة على بطلان قول من ادّعى
دخول الخلل والفساد على القرآن، وكيف يجوز في وضع العادة أن يذهب
من القرآن مثل سورة البقرة في المقدار ولا يبقى منها إلا آيات، وأضعاف ما
في أيدينا من سورة الأحزاب، على قوم ضبطوا هذه الأحرفَ وتكلموا فيها
بما وصفناه وخاضوا فيها الخوضَ الذي قدمناه، وأن توهم ذلك عليهم من
التفريط الشديد والجهل العظيم والعناد الدال على إلحاد صاحبه وتلاعُبه.
نعوذ بالله من الحيرة والضلال ونرغبُ إليه في التوفيق والسداد.
فإن قال قائل: قد زعمتم أن هذه الأحرف مثبتة في المصحف ومقروءة
على خلاف الوجه الأظهر في اللغة، وعلى ما يظنه من قَصُر علمه أنها
ملحونة فاسدة، وأن الأشهر في اللغة غير ما أثبت عليه، فخبرونا لم أثبتها
القوم كذلك، فإن كانوا إنما أثبتوها على خلاف الوجه المألوف الأشهر
لأنهم بذلك أمروا وعليه وقفوا فلم أمرهم الله بذلك وأنزله على خلاف
الوجه الأظهر وعدلَ سبحانه إلى الأمر فكتبه على الوجه الموهم للخطأ وما
يدعو إلى الالتباس والشبهة، وما وجه الحكمة والصواب في ذلك.
يقال له: أما إطباق الجماعة على كتابة هذه الحروف على خلاف الوجه
الأظهر الأشهر فهو أصح دليل على أنهم مأمورون بذلك وموقفون عليه
ومأخذون به، وأنه لولا إلزامهم ذلك وجواز القراءة ببعضها مع إطلاق
القراءة بغيره رحمة، وتضييقه القراءة ببعضها على وجه ما ثبت، وموافقة
خط المصحف، لكتبوه على الوجه الأظهر الأشهر لا سيّما وليس في ذلك ما
يتعلق باختلاف منفعة أو دفع مضرة، أو يعود بإثبات إمامة وتأثيل محل
ورئاسة وتفضيل قوم، وبنقص آخرين ولا يضر بهم إثباته على الوجه الأشهر