فكأنه قال إنّما مثلكم أيها الناسُ في عبادةِ الأصنام
وغيرِها مثلُ من عبد إلها لا يقدرُ على خلقِ ذبابة ولا يقدرُ على الاعتصام من
سلبِ ما يسلبهم الذبابُ في أن عابدَ من هذه صفتُه جاهل مقصِّر وقاصد
بالعبادة والتعظيمِ من لا يجوزُ له فحذف على وجه الاختصار والاحتذاءِ بما
يدل على ما في سياق الكلام، ومن الحذف والاختصار أيضا حذفُ جواب
القسم، ومنه قوله: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا) (إلى قوله) (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، ثم قال (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)، ولم يذكر ما أقسم لأجله وإنَّما معناه والنازعات
وكذى وكذى لتبعثن، وكذلك قوله: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١).
ثم قال (بَلْ عَجِبُوا) ولم ياتِ بذكر ما أوقعَ القسم له، والتقديرُ والقرآن لتُبعثُن، فقال الكافرون هذا شي عجيب، فحذفَ ذكرَ البعث لما في الكلام من الدلالةِ عليه من جحدِ الكفّار للبعثِ والنشور، ومن هذا أيضا قوله: (إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ)، فأراد إلا كباسطِ كفيه إلى الماء
ليفيضَ عليه ليبلُغ فاه، فاستطال وحذفَ لدلالةِ الكلام عليه.
قال الشاعر:
فإني وإتاكُم وشوقا إليكم | كقابض ماء لم تسُقه أناملُه |
والاقتصارُ بالكنايةِ عن غير مذكور تقدم، كما نكنِّي عما تقدم له ذكرُ الاقتصارِ على دلالةِ الحال والخطاب، وما خرجَ الكلامُ عليه، ومنه قولُه تعالى: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا)، يعني الوادي، وقوله: (إِذَا جَلَّاهَا)، يعني الدنيا، ولم يتقدم لها ذكر وقوله: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)، يعني