يعني بالقتلِ والإخافةِ والغاراتِ وكانوا إذا دخلَ الشهرُ الحرامُ يكُفونَ عن
الحربِ والقتلِ وشن الغاراتِ ويتبسَّطُونَ في الأرضِ آمنين على أموالِهم
وأنفسِهم، فجعلَ الله البيتَ الحرامَ وما حولهَ والهديَ والتقليدَ إليه من مصالح
خلقه، وعائداً بحفظِ نفوسِهم وأموالِهم وحقنِ دمائِهم، ولو تركَهم على ما
كانوا عليه لتفانَوا ولذهبَت أموالَهم وأنفسهُم ولم يستقر بهم دار ولا قرار.
وعرفهم تعالى أنه جعلَ ذلكَ من مصالحهم، فقال تعالى: (ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
يقولُ كما أنني علمتُ أن جعلَ الكعبةِ الحرامَ والحرمَ قياما للناسِ وأمنا لهم، فإن ذلكَ من مصالِحهم، واعلموا أيضا أنني أعلمُ ما في السموات وما في
الأرضِ من مصالحِ أهلِها ومرافِقِهم ووجوهِ دفع المضارِ عنهم، وأنني مع
ذلكَ بكل شيءٍ عليم، فأيُّ كلامٍ أليقُ بكلامٍ وأشَبهُ بهِ من هذا لولا الجهل
والتخليط.
قالوا: ومن هذا الباب أيضا قولهُ: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، وهل يصيرون مقسطين في اليتامى بنكاحهم النساء، وكيفَ يكونُ ذلكَ وهُم عند نكاحِ النساءِ أعجزُ عن القسطِ والعدلِ في اليتامى، وأيُّ تناسُبٍ بينَ هذا الكلام؟
فيقال لهم: ليسَ الأمرُ في هذا أيضا على ما قدرتم، وذلك أن الله شبَّهَ
خوفَنا بالعجزِ عن العدلِ والقسطِ في اليتامى، بعجزِنا عن العدلِ بين أكثرَ من
أربعِ نسوة، لو أَطلقَ لنا نكاحُ أكثرَ من أربعة، فقالَ كما تخافون أن لا تعدِلوا بين اليتامى إذا كفلتموهُم، فخافوا أيضاً أن لا تعدلوا بين النساء إذا
نكحتموهُنّ وأكثرتُم منهن، فانكِحوا إذا كنتُم تخافونَ ذلك اثنتينِ وثلاثا
وأربعا، ولا تتجاوزوا ذلك، لا تُقَصّروا وتعجزوا عن العدِل بينهن، ثم قال