ويُمكن أيضًا أن يكون التأويلُ في ذلكَ أنكم إذا خفتم الإثمَ والنارَ بأن
لا تعدِلوا بين اليتامى فخافوا مثلَ ذلكَ في تركِ العدلِ بين النساء، وانكِحوا ما طابَ لكم من النساء، يعني به من أُحِل لكم منهن وهم اثنتينِ أو ثلاث أو
ربُاع، ولا تنكحوا أكثرَ من ذلكَ فتتركوا العدلَ بينهنّ إذا كثُروا فتتَورطوا
لذلك في الإثمِ والنار، فكأنّه قال: إن خفتُم النارَ بتركِ العدلِ بينَ اليتامى
فخافوا ذلك في تركِ العدلِ بين النساءِ وانكِحوا قدرَ ما أحللتُه لكم ممّا أعلمُ
أنكم تستطيعونَ العدلَ بينهن، ولا تتجاوزوا ذلك، ولو قالَ مكانَ هذا فإن
خفتم أن لا تعدلوا بينَ اليتامى فاعدلوا في الحُكمِ وأوفوا الكيلَ وقُوموا
بالفرائضِ لتتبرؤا من الإثم، لكانَ ذلكَ صحيحاَ جائزاَ كما يقولُ القائل: إن
خفتَ السلطانَ في منعِ الحرامِ فلا تقذفِ المحصنات، ولا تشتمِ الناس، يريدُ
بذلكَ فإنّ الضَّررَ عليكَ في مثلِ هذا، ما خفتَ منه أو أكثر، وقد يمكنُ أيضاً
أن يكونَ أرادَ بالآيةِ أنكم إن خفتُم إذا تزوجتُم بالأيتامِ أو الأطفالِ اللاتيِ لا
وليَّ لهن وطالَبْنَكم بحقوقِ الزوجيةِ وإقامةِ العدلِ بينهن، فانكِحوا البالغاتِ
البُذلِ اللاتي يقدِرن على أخذكم بالعدلِ بينهن، وتكونونَ عند نكاحِهن أبعدَ
من الظلمِ لَهُنَ.
قالوا: ومنِ ذلكَ أيضاً قولُهُ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١).
قالوا: فما معنى تخصيصَه للصبارِ الشكورِ دونِ غيره، وفيما ذكره آياتٌ لكلِ مُكَلَّفٍ ممن صبر وشكر وممّن ليست هذه صفتُه.
فيقالُ لهم: ليسَ فيما ذكرتُموه من هذا متعلقٌ وذلك أن اللهَ كنَّى وهو
أعلمُ بذكرِ الصبّارِ الشكورِ عن المؤمنِ لأجلِ أن أفضلَ صفاتِ المؤمنِ الصبرُ
المُقترنُ بالشكر، فكأنَّه قال: إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لكلِ مؤمن، وقد قالَ في