موضعٍ آخر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) فلا تَعلقَ فيما وصفتُم، وإنما يخُص المؤمنين المتفكرينَ والمعتبرينَ بالذكرِ في ذلك، وتضافُ الآياتُ إليهم دونَ الكافرين، ومن أهَملَ نفسَه وصدقَ وعاندَ وتنكَر الحق لأجلِ أنهم هم المنتفعونَ بالنظرِ في هذهِ الآيات، والمستدلُونَ بها
والمعتَبِرونَ بعجيبِ صُنعِها ولطيفِ ما فيها، وكذلكَ قولُه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧).
يعني من كان له علم، وإن كان لو نَظرَ في ذلكَ من لا عِلمَ له لعلِم بصحيحِ النظرِ ما عَلمهَ المؤمنون، واتعظ وانزجرَ بذلك، فذلك ما ظنوه.
قالوا: ومن هذا الباب أيضا قولُهُ تعالى: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)، وكيفَ يُعجِبُ النباتُ الكفارَ دونَ المؤمنينَ الأبرار.
وهذا إذا طلعَ واخضر وأينَع، أعجبَ المؤمنينَ والكافرين.
فيقال لهم: لم يُردِ اللهُ تعالى بذكرِ الكفارِ ها هنا الكفارَ بالله تعالى
وبالأديان، وإنَّما عنى وهو أعلمُ بالزراعِ الكفار، لأن مغطي الزرعَ إذا بَذرهُ
في الأرضِ وسَترهُ كافر، ومنه قيلَ للمتسلّح المعتد: مُتكفر بسلاحه، أي:
متغطي به، من قولِ الشاعر:
في ليلةٍ كَفَر النجومَ غمامُها.
يريد غطى الغَمامُ النجومَ وسترَها وإنما قال يُعجبُ الزُراعَ نباتُه.
وخصهم بذلكَ لأنهم هم المُبلونَ به والمترقبونَ لما تُخرجهُ الأرضُ
والمنتفعونَ به قبل غيرهم، فأضافَ ذلك إليهم.
قالوا: ومنِ ذلكَ أيضا قولُهُ تعالى: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (١٦).
وقد عُلم أن القواريرَ لا تكونُ من فضة، وفي هذا الكلامِ إحالة وفساد


الصفحة التالية
Icon