دائما، وأن البحرَ لا يزالُ ظاميا مرتفعا، وأن الجبلَ والسموات والأرض لا
تزولان ولا يتغيران أبداً، فقالوا كذلك: لا أكلمُك ما اختلفَ الجديدان وما
ظَمِأ البحر، وهم لا يعنون بذلك مدةً من الزمان منقطعة متناهية، وإنما
يعنون الأبد الذي لا انقطاعَ له ولا تأخير، فخاطبَ الله العربَ بما تَعْهَده في
كلامِها وتعرفُه في عُرفها فقال تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)، يعني أنّهم خالدون فيها أبداً سرمداً فعبر عن هذا بدوام السموات والأرض لاعتقادهم في أصلِ اللغة أنهما غيرُ منقطعين ولا مبتعدين.
فهذا الكلامُ جواب من قال: كيف قال خالدين فيها ما دامت السمواتُ
والأرض، وقدرُ دوام السمواتِ والأرضِ منقطعٌ متناهي، وهو قد أخبرَ أن
خلودَهم ودوامَهم غيرُ مجذوذٍ ولا مقطوع، وإن وجبَ اعتقادُ انقطاع دوامِ
السموات والأرض من جهة السمع، قال الله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)، وقال: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، فأخبر عن تغييرها وتبديلها.
وأما قوله تعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، فإن معناه سوى ما شاء ربك، ومعنى
ذلك أن الله تعالى لما علم أن مكثَ السموات والأرض منقطعٌ متناهي.
قال: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، أي سوى ما شاء


الصفحة التالية
Icon