ربك من إدامة خلودهم بعد فناء السموات والأرض وتبديلهما الذي علمه.
وإن كنتم أنتم لا تعرفون ذلك في وضع لغتكم وتعارفكم، لأنّه لو لم يقل:
إلا ما شاء الله أن تكونَ مدةُ مقامِهم في الجنة مدة مقام السموات والأرض
إلى حين فَنائها وتبديلها، هذا وجا صحيح، وقد يقولُ القائل: لأسكنن في
هذه الدار حولاَ أو شهراَ إلا ما شئت، وقد يصح أن يريد بقوله: إلا ما شئت أن أزيدَ على ذلك، وقد يصحُّ أن يعني إلا ما شئت أن أنقصَ منه فإذا عَلِمنا بوجهٍ قاطعٍ أنّه لا ينقصُ من سُكنى سنةِ حمل قوله: إلا ما شئتَ على الزيادة على ذلك دونَ النقصان، وكذلك إذا قال بعد قوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)، يعني غير مقطوع حمل على أنّه أرادَ سوى ما شاء من الزيادة على قدر دوامِ السموات والأرض، إذ كان قدرُ دوامها منقطعاَ متناهيا.
ويحتملُ أيضاً أن يكون تعالى أراد بقوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، مع دوام
السموات والأرضِ من كونهم في الدنيا ومن كونهم بأرض المحشر، لأنهم
في الدنيا وفي الموقف للحساب لا في الجنة ولا في النار، فكأنّه قال: وهم
أبداً في الجنة وعبّر عن ذلك بدوام السموات والأرض إلا قدرَ ما نقصَ من
ذلك من مدةِ مُقامهم في الدنيا، وفي المحشر وهذا أيضاً وجه صحيح.
ويحتملُ أيضاً أن يكون تأويلُ قوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) من كون المؤمنين
من أهل الإجرام في النار، فقال خالدين فيها يعني المؤمنين إلا ما شاء ربك
من مدة كونهم معاتبين في النار على إجرامهم إلى حين تدركهم رحمةُ الله
لهم وشفاعةُ نبيه فيهم، وإذا كان ذلك كذلك زالَ توهمهم للمُحال بهذا
الاستثناء وسقط تعجبهم.