فيقال لهم: ليس فيما أوردتموه شبهةً يسوغُ التعلق بها.
فأمَّا قوله: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ).
فإن ذلك اليومَ أوقات وتارات وهو في طوله بجنبِ ما وصفَ الله سبحانه في قوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ). و (أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
(هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) ٣٦).
(وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
عند قيامِهم من قبورِهم وحشرهم وتبديلِ الأرضِ غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهّار فلا يزالون كذلك إلى حين العرض والمسائلة، ثم يؤذنُ لهم في النطق، فإذا استقر أهلُ الجنة في الجنّة، وأهلُ النار في النّار لم يُوذن لهم في الاعتذار ولا في الخصام، وقيلَ لهم: (لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ).
وذلك لا يَنفي تخاصُمهم في النار وتلاومهم وما ذكره الله من ندَمهم في قوله: (نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ).
إلى أمثال ذلك، وهذا ينفي التناقض الذي ظنوه.
فأمَّا قوله تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)، مع قوله: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦).
فإنه غير متنافي ولا متناقض، وذلك أن عذابَ أهلِ النّار دركات وطبقات وأهلُها فيها على قدرِ ذنوبهم في الكثرة والقلة.
وكذلك قصةُ أهل البوار، وفريق منهم طعامُه الضريع، وفريق منهم طعامُه
الغِسلين، وفريق آخر طعامُه الزقّوم، كما أخبر اللهُ في موضعٍ آخر، وقوم
منهم شرابُهم الحميم، وقوم منهم شرابُهم الصديد، فالذي ليس له طعام إلا
من غِسلين غير الذي لا يُطْعم إلا الضريع، وشاربُ الصديدِ فيها غيرُ
شارب الحميم، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما توهموه، والضريع نبت يكون