الواقعةِ بالجوارح، وقد قال خلق من الناسِ إن الإكراه على العلوم وأفعال
القلوبِ لا يصحّ، وإنما يتأتى ذلك في أفعال الجوارح، والدينُ من أفعال
القلوب، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ظنهم أن نفيَ الإكراه عن الدين ينصرفُ إلى نقضِ أمره بالقتال عليه والدخول فيه.
وأما قوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا).
وقد نرى من يريدُها فلا يصلُ إليها ليسَ ينقضُ لأن مِنْ ها هنا ليست للعموم
والاستغراق، بل يرادُ بها تارةَ الكل وتارةَ البعضُ فكأنّه أرادَ أن من أرادَ ثواب الدنيا آتاه منها إذا كان في المعلوم أنه يؤتاه منها ولم يرد بذلك الكل، وقد أوضحنا ذلك في كتابي "أصول الفقه " وغيرهما أنّه لا صيغة للعموم بهذا
اللفظ ولا بغيره بما يغني الناظر فيه، فبطلَ تعلُّقُهم به، ويحتملُ أن يكون
أراد بقوله نؤته منها إما قليلا أو كثيرا، أو لم يُرد أننا نأتيه الكثير وكلما
يريده، وليس أحد أرادَ ثوابَها إلا وقد أُتي منها إما قليل أو كثير فبطل ما
ظنوه.
فأمَّا قولُه في قصةِ إبراهيم: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، فليس بنقض لقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)، وقوله: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
فيحتملُ أن يكونَ أرادَ بقوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بإجابتك لي
إلى ما سالتُه وإلى مشاهدة نمرودِ ومن أنكرَ نبوءتي إجابتكَ لي، ولم يُرد
ليطمئن قلبي بإزالةِ شكِ في كونك قادراَ على ذلك.