ويمكن أن يكون أراد بقوله ليطمئن قلبي مشاهدتي ميتا أحييتَه، لأنّني
وإن كنتُ عالماً معترفا بكونكَ قادراً على ذلك فإنّني غيرُ راء له ولم أره
قط، فقال أرني لأخبرَ به إذا أخبرتُ عن مشاهدة، فيطمئنّ قلبي إلى مشاهدة
ذلك لا إلى العلمِ بأنّه من مقدوراتك.
ويمكنُ أن يكونَ تأويل قوله: "ليطمئنّ قلبي " أي: ليطمئن قلوبُ هؤلاء
الشاكين في ذلك فذكرَ نفسَه وأرادَ غيره، ومثلُ هذا قد يقولُه ويستعمِلُه
المحتجُّ على غيره يقولُ القائلُ أنا أريدُ أن أفعل كذا ليراه ويطمئنَّ قلبي
برؤيتَك له، أي ليزولَ شكّك فيطمئنَ قلبي بسكونِ قلبِك وزوالِ شكّك، وإذا كان هذا هكذا بطلَ التناقضُ الذي توهّموه.
فأمّا قولُه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)، فلا منافاةَ أيضًا بينَه وبينَ قوله: (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ).
وقوله: (تَوَّابٌ حَكِيمٌ)، وقوله: (فإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ).
ونحو ذلك، لأنّه يحتمل أن يكون أراد بقوله: (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) أي: التوبةُ الأولةُ من الكفر الأوّل، أي لا تنفعهم توبتُهم من الكفرِ مع عودتهم إليه ومفارقتهم الإيمان، وذلك صحيح، لأن التوبةَ
الأولةَ غيرُ نافعة مع العود، فإمّا أن تكونَ غيرُ عاصمةٍ من العقاب على الكفر
الثاني، أو يكونَ العودُ إلى الكفر والذنب ناقصا للتوبة الأولة، حتى يرجعَ
عقابُ الأولِ والثاني على قولِ كثير مِن الناس، ولم يُرد بقوله لن تُقبلَ توبتهم
إن تابوا من ارتدادهم، ووافقَ الله بالتوبة والإقلاع عن الكفر، فبطلَ ما ظنوه.