ويمكنُ أيضاً أن يكونَ التأويلُ في ذلك أنه لن يقبلَ توبتَهم الظاهرة.
وإذا وقعت على وجهِ النفاق، فيحتملُ أن يكونوا قوماً آمنوا نفاقا ثم عادوا
إلى إظهار الكفر، فقال تعالى: إن تابوا منه نفاقاً مثل توبتهم الأولى فلن يُقبل
منهم هذا الجنسُ من الإقلاع، لأنه ليس بتوبة في الباطن، وإن كان توبةً في
الظاهر عند من لا يعرفُ المواطنَ والأسرار، فلم تكن هذه توبةُ ندمٍ على
الكفرِ وعدمِ مواقعة مثله، وهذا أيضاً يُبطل ما قدّروه من التناقض.
وقد قيل إنَّ الآية نزلت في المتربصين من أهل مكة حين تربصوا
بالنبي صلى الله عليه ريب المنون، وقالوا له: فإن ذهَبْتَ الحرف ذهبنا إليه
وتبنا فقبلَ توبتنا فقال اللهُ تعالى قل لهم لن تُقبل توبتهم هذه لأنّها على
الحقيقة ليست مخلصةً لله، وإنما هي للتربُّص والمدافعة.
فأما قوله تعالى: (وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)، (مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) وقوله: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا).
فلا منافاةَ أيضاً بينَه وبينَ قوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
و (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)، لأن قولَه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) أراد به بعض الأنفس دون بعض، وكذلك قوله: (إِلَّا مَا آتَاهَا)، وقوله: (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا).
خبر عن بعض المكلفين دون بعضٍ فزال ما توهموه.
ويُحتمل أن يكون أرادَ بالسمع وما آتاها أنه لا يكلفُ الإنفاقَ ولا الزكاة
مع عدم المال، وما كلّف ذلك تعالى، لأنّه مما لا يُستطاعُ فعله، ولا تركُه
وليس كذلك حالُ عدمِ الاستطاعة على الإيمان والقبول، لأنّه قد يُستطاعُ
تَركُه والدخولُ في ضده، فليس كتكليف الزكاةِ والنفقة مع عدم الطول
والمال.