أي: فليتبعوا الرسولَ ولا ينقلبوا على أعقابِهم، فنعلَمُهم عندَ ذلك منقلبين.
ومثلهُ قولُ الشاعرِ:

لا أعرفنَّك بعدَ الموت تندبني وفي حياتي ما زَوّدتني زادي
أي لا تكن كذلك، ولا تفعل هذا فأعرِفُكَ به وفاعلاً له على مذهبِ
النهيِ والتحذير له من ذلك، ومن أن يُعرَف بهذِه الصفة، والنهيَ على
الحقيقة نهي عن المعروفِ الذي هو الفعلُ لا عن المعرفةِ التي هي فعلُ
المعلومِ أو صفته، وكذلك إذا قال القائل: لا أريَتك ها هنا ولا أسمعُ لك
كلمة، فإنّما هي نهي عن الكونِ المرئيِ والكلامِ المسموعِ المتعلقَين بقدرة
المكلَّفِ الموجود، وليسا بنهيٍ عن رؤيةِ الزاجرِ المتقوي وسمعِه، لأنّ ذلك
ليسَ من مقدورات المخاطبِ الموجود، فعلى هذه التأولِ يسوغُ حملُ الآيةِ
وفي إبطالِ ذلكَ إبطالُ ما قدّره.
فأمّا قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، وقولُهم
يجب أن يكونَ كذِباً لأنّنا نرى السمواتِ والأرَضَ في غيرِ كرسيٍّ ولا شيءَ
يحيطُ بهما، فإنّه لا تعلقَ لهم فيه، وذلكَ أنه أراد بهذا وهو أعلم أنّ له
كرسيا قَدرُ عِظَمهِ وسَعَته، قَدْرُ عِظَمِ السمواتِ والأرضينَ وسَعَتِهمِا، ولم يَردْ
أنّهما في الكرسي، كما يقولُ القائلُ قد وسِع حلمُ زيدٍ الإغضاءَ عن كلِّ
أحَد وإن لم يُوجَد من كل أحدٍ مكروه عليه حلمٌ عنه.
وقد يُمكنُ أن يكونَ أرادَ بالكرسي القدرةَ والسلطان، والكرسُي عند
العربِ الأصل، فلمَّا كانت الأشياءُ كلُّها داخلةَ ثمَّ قُدرته تعالى وسلطانه،


الصفحة التالية
Icon