صارَ سلطانُه أصلاً لكلِ قدرةٍ وسلطانٍ لأحد، ولكل مقدورٍ مخترع، فقالَ
لأجلِ ذلكَ وسِعَ كُرسيُّه السمواتِ والأرض.
وقد يمكنُ أن يكونَ أرادَ بقولهِ: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) عِلمُه
المحيطُ بجميعِ الأشياءِ وبجميعِ السمواتِ والأرضِ وما فيهما وبينهما.
والعربُ تُسمّي العلمَ كرسيًّا قال الشاعر:
مالي بعِلْمكَ كرسيٌّ أكاتمُهُ | وهَل بكرسي علمِ الغيبِ مُخلوقُ |
يحفُ بها بيضُ الوجوهِ وعصبه | كراسيَّ وبالأحداث حينَ تنوبُ |
فأمّا قولُه: (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ).
وطعنكُمُ عليه بأنّه كذبٌ وأن أحداً من أولئكَ ومن غيرِهم لا يتمنّى الموتَ بل
يأباه ويكرهُه، فلا تعَلُّقَ لهمُ فيه من وجهين:
أحدُهما: أنّه لا يمتنعُ أن يكونَ فيهم من قد تَمنى الشهادةَ وأحبّ لقاءَ
اللهِ تعالى بما يعلمهُ ويرجوه من تحصيلِ ثوابه.
والوجهُ الآخر: أنّه أرادَ بذكرِ الموتِ أنّهم كانوا يتمنونَ اللقاءَ والحرب.
ثم قالَ: فقد رأيتموه أي فاصبروا على ما كنتم تمنّونه ولم يُردِ تمنّي مفارقةَ
الحياة، فبطلَ ما قالوه، وقد يُسمّى اللقاءُ والحربُ موت على معنى أنه من
أسبابِ الموت، وكذلك يقال لمن هو في الصف والشدة إنه في الموت.
أي: في الشدة.