قال الشاعر:
يا أيها الراكبُ المرُخي مطيتَهُ | سائِل بني أسدٍ ما هذه الصوتُ |
وقل لهم بادِروا بالعُذر والتَمِسوا | قولاً يبرئكُم إني أنا الموتُ |
فبطل ما توهموه.
فأمَّا قولهُ تعالى: (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا).
فإنه لا تنافي أيضا بينَه وبينَ قولهِ: (عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، و (يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، و (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ)، وما جرى مجرى ذلك، لأن اللهَ تعالى لا يجوزُ أن يكْتمَ شيئا، لكونه عالما بالغيوب، وما أضمرتْهُ القلوب، وانطوَت
عليه النفوس، وإنما أرادَ تعالى لو تسوَّى بهم الأرض، أي: تمنوا أن تُسوَى
بهم الأرضُ وتمنوا أن لا يكتموا الله حَديثا، فحذفَ واوَ العطفِ اقتصاراً على
مفهومِ الخطاب، وأرادَ بقولهِ: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، أي: لا يتهيأُ لهم
كتمانُ شيءٍ من أعمالِهم واعتقاداتِهم وإخلاصِهم ونفاقِهم عنه.
ولا يستطيعون ذلك لكونه عالما بما ينطوي عليه، فكأنه قالَ لستُ ممن أكتمُ شيئا أو يُنكتمُ عنى شيء.
ويمكن أيضا أن يكون في جُهالِ الناس من ظنّ أنه إذا اسْتسر بشيءٍ في
نفسِه انكَتمَ يومَ القيامة عن ربه، وكانَ اعتقادهُ هذا كفر وضلال فإذا وردَ
أرضَ القيامةِ وحاسَبه على اعتقادِه وسرائرِه وذاته، لم يكن اعتقد في الدنيا
كتمانَ شيءٍ عنه تعالى لما انكشفَ وعلم ضَرورةً أنّ الأسرارَ غيرُ خافيةٍ ولا
منكتمةٍ عنه، فندمَ عند ذلكَ على جهلِه واعتقادِه فيه سبحانه ما يستحيلُ
ويمتنعُ في صفتِه، وإذا كان ذلكَ كذلكَ زالَ ما قدَّروه وبطلَ ما توهموه.