وأما تعلقهم بقولي: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، وقولُهم كيفَ يُخبرِ عنهم بذلكَ وهُم مشركون، فإنه لا تعلُّق لهم أيضاً فيه من وجوه:
أحدها: أن هذا القولَ حكاية عنهم وخيرٌ عن قولهِم ولم يقل الله إنه هُو
يقولُ يومَ القيامةِ إنهم غيرُ مشركينَ فيكونُ ذلك نقضاً لإخبارِه عنهم أنَّهم
مشركون وإذا كان ذلك كذلكَ بطلَ ما قدَّروه.
وقد يُحتمل أيضا أن يكونوا يُخبرونَ بذلكَ عند أنفسِهم عن ظنّهم
وتوهُمِهم أنهم كانوا غيرَ مشركينَ بالله، فيحلفونَ يومَ القيامة أنهم ما كانوا
عن أنفُسهم في الدنيا مشركينَ وإن تَبيَّن لهم يومَ القيامةِ أنهم كانوا مشركين.
ويُحتمل أيضا أن يكونوا يحلفون يومَ القيامة أنهم ما عَبدوا الأصنامَ في
الدنيا على وجهِ الإشراكِ باللهِ واعتقادِ استحقاقِها للعبادةِ على وجهِ ما يستحقُه الله، وإنما عَبدناها على وجه التقربِ إلى الله، وإن كان نفسُ عبادتِها على هذا الوجهِ شركٌ بالله.
ويمكنُ أيضا أن يكونوا إنّما يقولون هذا القولَ ويحلفونَ بهذه الأيمانِ
يومَ القيامةِ إذا استُديم العذابُ وزفَرتْ بهم جهنم، وأمَّلوا بهذا القولِ والحلفِ
والاستغاثةِ والضجيجِ أن يُخففَ عنهم من عذابهم، فيقولون عندَ تأميل ذلكَ
بالصياح: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩).
و (يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا)، و (يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)، و (نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)، ونحوَ هذا من القولِ
رجاءَ التخفيف، قال الله تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ).


الصفحة التالية
Icon