أي: كيفَ أخلفت آمالُهم وظنونُهم بهذا القول، وكيف يكذبونَ في قولهم:
(مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)، رجاءَ التخفيف، وهو لا ينفَعُهم.
قال الشاعرُ:
كذبتم وبيتُ اللهِ لا تأخذونَها | مراغمةً ما دامَ للسَّيفِ قائمُ |
أنفسهم، أنّهم أوجبوا بقولهم هذا وبكفرِهم أيضاً في الدنيا على العذاب.
كما يقال كُتِبَ عليهم الحج أي: وجَب.
فأمّا قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦).
فإنّه لا اختلافَ ولا تناقُضَ فيه، لأنّه عنى سبحانَه وهو أعلَم ما يُومنُ
أكثرهم بلسانه إلا نفاقاً وهو مشرك بقلبِه، ولذلك قال: (قُل لَم تؤمِنُوا)، ويمكنُ أن يكونَ أرادَ وما يُؤمنُ أكثرهُم بالله أي ما يصدّق
أكثرُهم باستحقاقِ اللهِ للعبادةِ إلا وهم مشركون مع ذلك، بتصديقِهم
لاستحقاقِ الأصنامِ والملائكة، وكلّما عبدوه العبادة، كما يستحقُها الباري
تعالى، وذلكَ شرك بالله، فلا تناقُضَ في هذا، ويُحتمل أيضا أن يكون أراد
بقوله: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦).
بعد إيمانهم فيكونُ معنى مشركون إلاّ وهم يشركون في الثاني، ويكون الخبرُ خاصاً فيمن عُلم ارتدادهُ بعدَ إسلامه، وهذا أيضا ينفي التناقضَ الذي توهموه إبطالاً ظاهراً.
فأمّا قولُه تعالى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣).
فإنه لا تناقضَ بينَه وبينَ إخبارِه بأنهم يكذّبونه، وقد كذَّبوُه في
كثيرٍ من المواضعِ كقولهم: (مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى)،