قالاه إنكاراَ لقولهِ وتكذيبِهما له، وليس ذلك على وجهِ الاستفهام لهما ولا
على تحقيقِ الإخبارِ عنهما بقول ذلك ولا على التقريع لهما به، وإنّما هو
على وجهِ ما قُلناه.
وأما قولُه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)، فإنه لا تناقضَ بينهُ وبينَ إخبارهِ بأنه خَلقَ آدمَ وأسجدَ له
ملائكتهُ قبلَ خلقِ ولدهِ وتصويرِهم، لأنّه تعالى لم يُرد بقولهِ ثم صورناكم ثم
قلنا للملائكة قبل خلقِ ولدهِ وتصويرِهم، لأنّه تعالى لم يرُد به الترتيبَ
والتراخي، وإنما جعلَ ثم ها هُنا بمعنا واوَ الجمع، فكأنه قال: خلقناكم
وصوّرناكم وقلنا للملائكة اسجدوا لآدم، وواوُ الجمعِ لا توجبُ الترتيبَ ولا تراخيَ ولا تعقيب، ومثلُ هذا شائع في اللغة، قال الشاعر:
سألتُ ربيعةَ من خيرها | أبا ثم أمًّا فقالت يزيداَ |
وإنما أرادَ سألتُ ربيعةَ مَن خيرها أبا وأمَّا، وهذا يبطل ما قدروه.
ويمكن أيضا أن تكون ثمَّ إنما جاءت لنَسَقِ خبرِ على خبرِ كأنّه هو الذي
أخبرك أنه خلقكم وأخبَركم أنه صوركم، وأخبرَكم أنه أسجدَ الملائكةَ لآدمَ
وأمرها بذلك، وهذا الأمر بالإسجاد هو المتقدم، وقد وقعَ في الخبر
متأخرا، وذلك شائع في اللغةِ والعربُ تقول: فلان جواد كريم طريف ثم
شريفُ الوالدين، ولا يعني بذلك أن شرفَ والدَيه يكون بعدَ هذه الصفات.
بل هو متقدم، وإن تأخَّرَ في الذكرِ والخبر.
وكذلكَ الجوابُ عن قولهِ تعالى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦).
وهو شهيد على ما يفعلون