أعمالهم باطلة وطاعاتُهم معدومة، مُحْبَطَةً فموازينُهم يومئذٍ خفيفةٌ شائلةٌ لا
حسنة ولا طاعةَ تردها وتقوّمها، فلا نقيم وزنا إلا ناقصا متفاوتاً.
فأما تعلُّقُهم بقولي تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا).
وقولهم مَثَّلَ الخلقَ بالحَرَمِ والثبتَ من الأماثلِ والأفاضلِ كعبد اللهِ بن الزبير.
ومن جرى مجراه، وهذا تكذيبٌ للخَبَر، فإنه لا تعلُقَ لهم فيه، لأنّ هذا
القولَ خرجَ مخرجَ الخبرِ والمرادُ بهِ الأمرُ بأمانِ منْ دخلَ البيت، وأنْ لا يُقْتَلْ
ولم يُرِدْ الإخبارَ عن أن كل داخلٍ إليه آمن، وعلى مثلِ هذا خرجَ قولُ
الرسول: "من ألقى سلاحه فهو آمنٌ، ومن دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمن.
ومن دخلَ الكعبةَ فهو آمن "، إنَّما قصدَ بِه الأمرَ بأمانِ من ألقى سلاحه.
ودخلَ هذه المواضع، ولم يُرد بذلكَ الخبر، ومثلُ هذا قوله تعالى:
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وهو يعني بذلك
الأمرَ لهم بالتربُّصِ دونَ الخبرِ عن تربصِ كل مطلقةٍ لأنها قد تعصي اللهَ ولا
تتربص، وكذلك قال: (ومن دخله كان آمنا) أي: أمِّنوا من دخله وهو على صفةِ من يحبُّ أن يؤمَّن، فمن لم يفعلْ ذلكَ عصى وخالف، ومتى جُعل هذا القولُ أمراً بطلَ تمويههم.
وقد يمكنُ أيضاً أن يكون أرادَ بقوله: ومن دخله كان آمناً عام الفتح.
وقد قال الرسول صلّى اللهُ عليه: "من ألقى سلاحَه كان آمناً ومن دخلَ دارَ
أبي سفيانَ كان آمناً ومن اعتصمَ بالكعبةِ كان آمناً ومن أغلقَ بابَه كان آمنا".
فلا يُناقضُ عدمُ الأمنِ في غيرِ ذلكَ الوقت وجودَه فيه.
ويُحتملُ أن يكونَ أرادَ أنّ كل من دخلَ البلدَ الحرامَ الذي هو مكةُ كلُّها
كان آمنا في بعضِ الأوقاتِ دونَ بعض جميعها، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما
توهموا به.