فأمَّا قولُه: (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)، إنه لا تناقضَ بينَه وبينَ إخبارهِ عنهم بالضجيج، والاستغاثةِ وعضِ الأناملِ والتأسف، والحسرةِ وشكوى العذابِ والآلام، لأنّه لم يُقل إنهم يصبرونَ على نارِ جهنَّم، فيكونُ ذلكَ نقيضاً لإخبارِه عنهم بالضجيجِ والاستغاثة، وإنما قال: (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)، يقولُ: فإن يصبروا أو يجزَعوا لا ينفعهم ذلك فإن
النارَ مثوىً لهم.
ويمكن أن يكون إنما أرادَ بقوله: فإن يصبروا على آلهتهم والعبادةِ لها
ومداومةِ تعظيمها، فالنارُ مثوىً لهم، وإن ينتقلوا عن ذلك ويرجِعوا عنها
يَسْلموا، لأنّ اللهَ سبحانه قد أخبر عنهم أنهم قالوا: (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا)، فقال في جوابِ ذلك: فإن
يصبروا فالنار مثوىً بهم يعني ما قالوا إنهم صَبروا عليه.
فأمّا قولُه تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).
فإنه أيضاً غيرُ منافٍ لإخبارِه عن إرسالهِ بالآيات.
وقوله: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)، وإخبارِه عن انفراقِ
البحرِ وقلبِ العصا حية، وإبراءِ الأكمهِ والأبرص، وإحياءِ الموتى، وغيرِ
ذلك، من ناقةِ صالحٍ وطوفانِ نوح، لأنّه يُحتملُ أن يكون عنى تعالى وما
منعنا أن نرسلَ بالآياتِ المهلكةِ المُصطَلمةِ إلا أن كذبَ بها الأولون، فكأنه
قالَ حُكمُنا بإرسالها على من كذَّب بها من الأولين، وليس من حُكمِنا أن
نرسلَ بها على من كذّبَ بها من أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه.
ويمكن أن يكونَ إنما أرادَ وما منعنا أن نرسلَ بالآيات التي طلبَهَا اليهودُ
وقومُ محمدِ عليه السلام إلا أننا قد حكمنا أنّنا إذا أرسلنا بها وكُذبت عجلنا