أدخلوا فلاناً المسجى والمُطْبقَ ثم يقال أدخلوه إلى أضيقِ محبس، ويكون
الأضيقُ هو السجن، والمُطْبقُ الذي ذكرَه من قبلُ فلا تنافي بينَ هذا الكلامِ
وبين شيءٍ من كلامِ اللهِ سبحانَه، وقيل معناهُ أنهم بعُرضِها أي: قاربَوا
دخولَها كما يقال فلان بعُرضِ هُلكَةٍ أي: قد قارَبها وقيلَ أعمالُهم أعمالُ من
يستحقُ أبداً المقامَ على الذُلِ ونحوُ ذلك، فكأنهم يغدونَ ويرجعونَ إليها
بأعمالِهم كما يقولُ القائل: غُدو فلانٌ يغدوا ويروحُ إلى النارِ أي من غدوٍ
ورواحٍ على أعمالِ أهلِ النار.
فأمَّا قولُه تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦).
فإنه لا مناةَ بينَه وبينَ قولهِ: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
وقوله في المرسَلين: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤).
ونحوه من إعذار الرسل، لأنه أراد بقوله: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)، سؤالَ استخبارٍ واستفهامٍ لإحصائِها وتقدمِ العلمِ بها والكتابةِ
لها، وأرادَ بقوله: (وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)، مسألةَ تقريرٍ للحجةِ على الكافرِ
ليستَمعوا قولَ الرسلِ وشهادتَهم عليهم بالأداءِ إليهم.
ويمكنُ أن يكونَ سؤالُ الرسلِ سؤالَ تخصيصٍ لهم وأمرٍ بإقامةِ الشهادةِ
على الأمم، كقولِ القائل: هذا يقوم، وهذا يضربُ زيداً أي افْعل ذلكَ كما أمرت، وقد يكونُ السؤالُ سؤالَ تقريعٍ بالعجزِ كقولك: هل تعلمُ من الغيبِ شَيئا، وهل تستطيعُ أن تتكلَّم، وقد يكونُ السؤالُ سؤالَ توبيخٍ وتفنيدٍ مواقفةٍ على تركِ الواجب، كقولِ الشاعر:
ألم أكُ جاركم فتَركتمُوني | لِكَلبي في دياركُم عَواء |