أحسنِ التشبيه، ويمكنُ أن يكون أراد بقوله كأنها جان، كانها من الجن في
هول منظرِها، وقبحِهَا وبشاعَتِها والهَلعَ والترويعِ برؤيتها.
فأمَّا قولُه: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى)، فإنه أيضا غيرُ منافِ
لإخبار اللهِ عنه بتصديقِه وسكونِ قلبِه، لأن تلكَ الخيفةَ طباعية بشرية غيرُ
كسبيةِ اختيارية، وليست من الشك في قوله: (خُذْهَا وَلَا تَخَفْ).
في شيءِ ولا من جنسِه ولكنها خيفة بشرية، ويمكن أن يكون أوجسَ خيفةَ في
غير الوقت الذي قال له فيها لا تخف، إما قبل أن يقولَ لهُ ذلك إلى أن قال
خذها ولا تخف، أو بعد ذلك الوقت، لأنه لم يقلْ لا تخافُ أبداَ فلا تعلقَ
لهم في ذلك، ويمكنُ أن يكون تأويلُ الآية أنه خاف أن يُفتَتَنُ قومُه ويظنونَ
أن ما أتى به سحر كقول السحرة فقال له: لا تخف إنك أنت الأعلى، أي إن آيتك تنكشفُ عن صدقِكَ وتزيلُ كل ريبِ من قلوب أتباعِك المؤمنينَ فيكونَ كذلك أعلى بالحجة والبراهين.
فأمَّا قولُه تعالى: (ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى)، فإنه غير متناقض.
لأنه لم يُرد أنه يكون غيرَ ميتِ ولا حي وإنما عنى وهو أعلم أن حياتَه لا
تنعدمُ فيستريحُ من العذاب وإدراك الآلام، ولا يحيى حياةَ طيبةَ يسلَم فيها
من العذاب وإدراك الآلام.
قال الشاعر:
ألا مَنْ لِنفسِ لا تموتُ فينقَضي قَضاها | ولا تَحيَا حَياةَ لها طَعمُ |
وأما قوله تعالى: (سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)، فإنه ليس بخبرِ
باطلِ على ما توهموه، لأن الغيظَ لا يُسمع، لأنه قد يمكنُ أن يخلق لهم في