الآخرة إدراكُ النفسِ للغيظِ ووجودِه في أسماعِهم، ويُسمى سَماعاً للغيظ.
وكذلكَ القولُ عندنا في جوازِ سماعِ كل موجودٍ ورؤيتِه من أفعالِ الجوارِح.
وأفعالِ القلوب، وأمّا تعلقهم بأنّها جمادٌ لا تَغْتَاظُ فيُسمعُ غيظُها أو لا يُسمعُ
فباطل، لأنّه إنّما كَنَّى بذكرِ الغيظِ عن تَسعُّرِها وشدةِ لهيِبها.
وقد يمكنُ أن يُحييها اللهُ عز وجل على يُبسها، ويخلقَ فيها غيظا على
أهلِها، لأن الحياةَ لا تحتاجُ إلى بينةٍ ولا بلّة، ولا يُضادها اليبوسةُ والحرارة.
بل لا تحتاجُ إلا إلى محلها فقط، وقد بينّا ذلك في الكلامِ في الأصولِ بما
يُغني عن تأمّلِه، ويَحتمل أن يكونَ أرادَ سَمعُوا لها زفيراً وتلهُّباً، وعلموا عند
ذلكَ تغيظَها، واستدلُوا على العلم بالتغيُّظِ والزفيرِ واللهيبِ المسموع،.
وسُميَ العلمُ بالتغُّيظِ سَماعا له.
فأمّا قولهُ تعالى: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)، فإنه غيرُ متناقضٍ من حيثُ كان السيئاتُ لا تُبدَّلُ حسناتٍ أبداً، لأنّه تعالى لم يعْنِ
هذا، وإنما أرادَ وهو أعلمُ أنني أبدلُ عذابهم وجزاءَ سيئاتِهم حسناتٍ في
نعيمٍ ورحمةٍ بما أحدثوهُ وجدَّدوه من الإنابةِ والتوبة، فلا تعلُّق لَهم في الآية.
فأمَّا قولهُ تعالى: (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا).
فإنه لا اختلافَ فيه ولا تناقضَ لأنّه لم يكن يعنِ بذلك أنَّها بحيث يجوز أن يراها، ويمكنُ ذلك فيها مع قوله: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)، والعادةُ على ما هي عليه في رؤيةِ اللهِ وامتناعِ رويةِ الكائنِ فيما هذه سبيله، وإنَّما أرادَ بقوله لم يَكَد يَراها، لم يُرد أن يراها أي: لأنّه لا يطمعُ في ذلك ولا يَرجوه، فكان
معنى يريد.
قال الأفْوه الأودي:
فإن تجتمعَ أوتادٌ وأعمدةٌ | وساكن بلغوا الأمرَ الذي كادوا |