أي: الأمرَ الذي أرادو، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما ظنُّوه.
فأما قولُه تعالى: (أَكَادُ أُخْفِيهَا)، فتأويلُه أكادُ أدْنيها آتي بها
على وجه التقريبِ كذلك، والتهديد، ثم قال: أخفيها لتُجْزيَ كلُّ نفسٍ بما
تَسعى، قال الشاعر:
هَمَمتُ ولم أفعلْ وكِدْتُ ولَيتني | تركتُ على عثمانَ تبكي حلائلهُ |
لذم من في النارِ ولعنهم، وإنما أرادَ بورِكَ موسى المقاربُ للنارِ التي رآها.
كما يقال: فلانٌ في النارِ وفي الماءِ إذا قاربَ ذلك، وإن لم يكن فيه، وكما
يقولُ القائل: إذا بلغت المحِولَ ومطربلَ فأنت في بغداد، على وجه التقريب
لذلك، فيقال إن اللهَ سبحانَه باركَ بهذه الآيةِ على من في النار.
فأمَّا قولُه تعالى: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)، فإنّه ليس بنقيضٍ
لقوله: (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)، : وقوله في المؤمنين: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ونحوُ ذلك، لأنّه إنّما عنى بقوله: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)، مثلُ ما يُجازي به الكفور، أي لا يعاقبَ في النارِ بعقابِ الكُفرِ
إلا كافر، ويحتملُ أن يكونَ عنى وهل نُجازي بما جُوزوا به من تغييرِ النّعمِ
أو إنزالِ الخَسف والنقم إلا الكفور.
فأمّا قولُه تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)، فإنه غيرُ منافٍ
لإخباره عن عصمةِ اللهِ ووفاءِ ربّهُ وتصديقَه، وإنَّما أراد بل جازيتُهم على
تعجبهم منكْ وممّا جئت به ويَسخرون أي وهم في تماديهم، ويُمكن أن
يكونَ ذلكَ على معنى الأمرِ كأنّه قال: قُل يا محمدُ بل عجبتَ ويسخرونَ
على وجهه، على جهةِ الخطابِ لمن تعجبُ مما ينزلُ بهم.