وقد تكونُ الهدايةُ بمعنى الدعاء إلى الشيء، ولا تُسمى الدعوةُ إلى الحق
هدايةً إليه إلا لمن قَبِلَها وانتفع بها.
قال القطامي:
ماذا هُداكَ لتسليمٍ على دمنٍ | بالغمر غيَّرهُن الأعصرُ الأولُ |
دمنٍ بالغمر غيّرهن الأعصُر الأول وبعثك على ذلك.
وقد تكونُ الهدايةُ بمعنى التوفيقِ وشرح الصدر وتسهيلِ القولِ الحقِّ
على ما بيَّنَّاه من قبل، وهيَ الهدايةُ الحقيقية المقصودَة بقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، أي: إنك لا توفقُ من
أحببت، ولم يرد أنك لا تأمره بالهدى وتدعوه إليه، وهي المرادُ بقوله:
(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ)، والمعتمد في الرغبة إلى الله في
الهداية في الرغبة، لأن الدعوةَ قد حصلت لكل، ولأنه قد ضل كثيرٌ ممن
دُعيَ إلى الحق، فدلَّ ذلك على أن الهدى المرغوب فيه والذي لا يضلُّ
صاحِبُه، ولا يهدي به النبي عليه السلام من أحب هدايته هو التوفيقُ وشرحُ
الصدور الذي قدمناه.
قال الحُطيئة:
تحنَّن عليَّ هداكَ المليكُ | فإن لكل مقامٍ مقالاً |
ذلك، لأنها قد سلفت ووُجِدت.
وقد تكونُ الهدايةُ إلى الشيء بمعنى التقديم إليه، ومنه قولهم: قد أقبلت
هوادي الخيل أي: مقدماتُها، ويقالُ هوادي الخيل أعناقها لأنها تتقدمُها.