قال الشاعر:

إذا لم يخْتزِن للبيت لحما غريضا من هَوادي الوَحش جاعوا
يعني: تدخرُ لهم من أوائل ما يتقذم إلى الوحش.
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلاد صدرُ القناةِ أطاعَ الأميرا
يعني أوائل القناةِ ومواضعُ الأسِنِّة منها، والعصا تُسمى الهادية إما لأنها
تتقدم المتوكىء عليها، أو لأنها من شدة تهديه بحسّه بها وتوقيه الوِهَاد
والتِلاع، وما في سُبُله من الأذى، وما يريدُ معرفته.
وأمّا قولُ من زَعمَ أنّ الهداية تكونُ بمعنى الزيادة، واعتلَّ لذلك بقوله
تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى)، فإنه تعلق باطل، لأن قولَه زادَهم
هدى، إنما يريد بزيادتهم رشادا وتبصرا، واتخاذا للهداية في قلوبِهم في
مستقبلِ أزمانِهم وأعمارِهم، وليس يبينُ معنى الهدايةِ بجعله زيادةَ على هدىَ
كان قبله، وكما أنَّه قال قائل لمَّا علِموا زِدْناهُم علما إلى عِلْمِهم، ولم يكن
في ذلك إخبار عن خاصيةِ العلمِ وحدَه، وحقيقتُه المحيطةُ به، فكذلك ذكرُ
الهدايةِ والزيادةِ فيهما لا ينبىءُ عن معناها.
وقد قيلَ إن الهدى ثوابَ الجنَّة، واحتُج لذلك بقوله: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (٦).
يعني: أنه يهديهم إلى طريق الجنة، وهذا أيضا إن صح فعلى وجهِ تشبيهِ الثوابِ في نفعِه بهدى القلبِ واستبصارِه في الانتفاعِ به، واستدفاع الضرر، هذه جملة في معنى


الصفحة التالية
Icon