وما ذكره من المد في الطغيان والوقر في الآذان، وتقليب الأفئدة والأبصار.
والحول بين المرء وقلبه وتضييق صدره وما يعقبُه من النِّفاق في قلوب أعدائه
الأشرار، وكل هذا مما ينفردَ اللهُ بالقُدرة عليه، وكذلك خلقُ نفس الكُفر
والإضلالِ والإقدار عليه والتمكينِ منه، مما ليسَ لكافرٍ ولا لشيطانٍ ماردٍ
سلطان ولا قدرةٌ على خلقه في القلوب فما أضافَ الله تعالى شيئاً من ذلك إلى
أحد من خلقِه بل قال: "ختَمنا" و "طبَعنا" و "جعَلنا على أبصارِهم غشاوة".
"نقلبُ أفئدتهم وأبصارَهُم "، و"أعقَبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يَلقونَه ".
و"جعَلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ".
فلم يُضِفْ تعالى شيئا من ذلك إلى أحد من الشياطين أو المجرمين أو فرعون
أو السامري، إذ ما كان ذلك من صفاتهم ولا مما يدخلُ تحت قدرهم.
وأما الإضلالُ الذي أضافَه الله تعالى إلى الكفّارِ والمجرمينَ فهو الدعوة
إلى الضلال، وتزيينه وإيرادُ الشبهةِ فيه، وليس ذلك من خلق شيء في
القلوب بسبيل، وأما الإضلالُ المضافُ إلى فرعونَ والسامري خاصة ومن
جرى مجراهم فهو إلباسُهم في الدين ومكرُهم بأهله، وحِيَلُهم التي نَصَبوها
لإيقاع الشُبَه في الحق، وليس ذلك من خلقِ الضلال في القلوب في شيء.
وأمّا الإضلالُ المضاف إلى إبليس والشياطين فقد يكونُ أيضاً بمعنى
الدعوة إلى الضلال، ويكون الوسوسةُ في الصدور، وحديثُ النفسِ بما جعلَ
لهم من السلطان على هذه الوَسوَسة وعلى سلوكِ بني آدم وختومِه على
قلوبهم، فهذا مما يختص به الشياطين دون سائر الخلق، وكل هذه التفاسير
في الإضلال التي نزلناها قد وردَ بها الأخبارُ والقرآنُ على ما سنذكر جملة
منه، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن من إضافةِ الإضلال إلى نفسِه تعالى