وإلى جميع من ذكرَ من خلقه منافاةٌ ولا مناقضةٌ على ما يظئه الملحدون ومن
تابعهم من القدريَّة والمتحيرين في مذاهبِهم من أهل الملَّة، فبان بهذه الجملةِ
أن اللهَ تعالى لم يجعلْ إلى أحد من خلقه إضلالَ أحد، وإن جعلَ له القدرةَ
على هذه الأسباب التي ذكرناها، ولو قدرَ إبليسُ والشياطينُ والمجرمون
على إضلالِ أحدٍ من الناس، وكان ذلك إليهم وفي أيديهم لأضلّوا الأنبياءَ
وسائرَ المؤمنين، وكل من آثروا إضلالَه وحاوَلوا الإلباسَ عليه في دينه.
ولما لم يكن ذلك كذلك، ثبتَ أن الإضلالَ الذي أضافه تعالى إلى نفسِه لم
يجعلْ لأحدٍ من خلقه إليه سبيلاً، ولا عليه سلطانا.
وكذلك قال رسولُ الله - ﷺ -: "وخُلقَ إبليسُ مزيناً وليس له من الضلالة شيءٌ ".
وقد قال اللهُ تصديقا لهذه الرواية ولما قلناه: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)، وقال: (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ).
وقال: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، فأخبرَ أن القُرناء إنما إليهم التزيين
فقط، وأنّهم إنما ضلوا بما حق عليهم من القول والقسمة لجهنم.
قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)، ثم قال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٧٨).
وقال: (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٧).
وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧).
فبيَّنَ بذلكَ وأمثالَه أنّ الضال من أضلّه الله، وأنه لا هاديَ له وأنّ المهتدي
من هداه وأنه لا مضل له فهذا تنزيل يزيلُ الريبَ والشبهةَ ويبطلُ ما يلبِّسُ به
القدرية والملحدة، وقد أخبرَ سبحانَه أن الإضلالَ منه ما وصفناهُ من الطبعِ