عنهم وما لم يحكه، واللهُ يقولُ في كتابنا المنزّل على رسوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
وقد علمَ كلُّ ذي تحصيلٍ أنّه لا يجوز أن يكونَ أرادَ بهذا الفضل الذي لولاه لاتّبعوا الشيطان، وما زكى منهم من أحد، وكانوا من الخاسرين، هو نفسُ البيانِ والأمر الذي هو على من ضلَّ وخسر واتّبعَ الشيطان، فدل بذلك على أنّ هذا الفضلَ هو الهدايةُ لخلقِ الإيمان وتوسعة الصدور والتوفيق، وجمعَ الهمم والدواعي على إيثاره وفعله وأنّه ليس له مثل هذا الفضل على من كفر وضل، وعلى هذا دلَّ قوله: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧).
ولو كانت الهدايةُ هي الدعوةُ والبيانُ فقط، لكانت هذه
المنّة بعينها له على أبي جهلٍ وأبي لهب وسائر الكافرين، ولو كانت الكتمانُ
والتصديقُ والطاعةُ والانقيادُ من اختراع المؤمنينَ وخَلْقِهم وتقديرهم دونَ
ربِّ العالمينَ ودونَ رسوله لم يكن لله عليهم منة بالإيمان والتصديق ولا
لرسوله، إذ كان الإيمانُ فعلهم ومن تقديرهم وواقعٌ باختيارهم، وكان من
المحال أن يمُنَّ الله عليهم بفعِلهم وخلقِهم، ولا قدرةَ له عليه عندهم ولا
ملكَ له يتعلقُ عليه، ولا هو ردث له ولا إله له.
وكذلك قو@هـ سبحانه: (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً).
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١).
وقد عَلمَ الله أنه لا يمكنُ أن يكونَ هذا التحبيبُ للإيمان والتزيينُ له والتكريهُ
للكفر، هو نفس الأمرِ والنهي، والوعد والوعيد، والترغيبِ والترهيب، إذ قد وجدَ ذلك لمن ليس بمحبّ الإيمان ولا كاره للكفر، وكذلك فلا يجوزُ
أن تكونَ الحسنى السابقةُ للمؤمنين هو سبقُ بيانِه إليهم وترغيبِه إياهم، لأن