ذلك أجمع ممّا قد سبقَ للكافرين، وهم غيرُ مبعدين من النار، ولا يجوزُ
أيضاً أن يكون سبقُ الحسنى لهم بمعنى أنّها الجنّة بما كان لأمرِه ونهيه
إياهم، وإنّما سبقت الجنّة إن كانت هي الحسنى بما سبقَ لهم من الهداية
وقسمهم لها دون البيان والأمر والنهي.
وعلى هذا دلّ قوله: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣).
وقوله في مثل هذا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣).
فأخبَر سبحانَه أن لو أنفق جميع ما في الأرض ما ألّف بينَ قلوبِهم وأنّهم أصبحوا بنعمتِه إخوانا، وأنقذَهم من النار، وامتنَّ بهذا أجمعَ عليهم، وقد عُلم أنّه لا يجوزُ أن يكون هذا التأليف ُ بين قلوبهم والاستنقاذُ لهم هو نفسُ الدعوة والبيان، لأن ذلك أجمعَ موجودٌ في الكافرين لا يوجبُ أن لا يكون اللهُ سبحانَه في هذا التأليف والاستنقاذِ من النعمة إلا ما للرسول، وما لبعضهم على بعض، لأن الدعوة والإقدار قد وجدَ من الرسول - ﷺ - ومن بعضهم لبعض، فدلَّ ذلك على أنه
إنّما امتنَّ عليهم بما هو وحدَهُ القادرُ عليه، والمختصُّ بالتفضُّل به.
وكيف يكون التأليف ُ بينَ قلوبِهم هو نفسُ الدعوة والإنذار وهو يقولُ
للرسول - ﷺ -: (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
وهو عليه السلام على قولهم قد ألّف بينَ قلوبِهم، إن لم يكن التأليفُ بينَ
قلوبهم شيئا سوى الدعوة والإنذار، هذا خلف من القول وبما يتعالى الله
عنه.