ثم أخبر تعالى فيما قدَّمنا ذكره من الآي وغيرها أنه فعلَ بالضالين
والكافرين من ضيقِ الصدور والطبع على القلوب والختم، وجعلِ الأكنة
عليها، والتغشيةِ على الأبصار نقيضَ ما فعلَه بالمؤمنين وأخبرَ عن أوليائِه
وأصفيائِه، ومن هو أعلم باللهِ من جميعِ المُلحدةِ والقدرية أنهم رغبوا في أن
يفعلَ بهم ما فَعلَهُ بالمؤمنين وأن يجمعهم عليه ويُجنبهم ما فعلهُ بالكافرين.
فقال تعالى فيمن أحسن الثناء عليه وأقر بالاقتداء به: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا).
وهذا قولُ من قد علمَ أن جعلَ الغل في قلوبهم من فعلِ الله رب العالمين، ولو لم يجزْ ذلك عليه، وكان فعلُه ظلماً وسفهاَ على ما يقوله المبطلون، لكان ذلك رغبةً إلى الله في أن لا يفعل ما يستحيلُ في صفته وما إذا فعلهُ كان بفعلِه ظالما جائراً سفيها، وكل سائلٍ وراغبٍ إلى اللهِ فيه جاهل به ومستخفٍ مفترٍ عليه، واللهُ تعالى يُجَل عن أن يثني على قومِ هذه سبيلُهم وصفتُهم.
وليس يجوزُ أن يكونَ مرادُهم بقولهم ولا تجعلْ في قلوبنا غلاً للذين
آمنوا أي لا تسمينا غالَّين ومُدْغلين ومنافقين ونحو ذلك، لأنهم لا بد أن
يكونوا إنّما رغبوا إليه في أن لا يسميهم بذلك، إذا فعلوا الغل والنفاقَ
والإدغالَ وإذا لم يفعلوه، فإن كانوا رغبوا إليه في أن لا يسميهم بقُبحِ
أفعالهم وموجبِ صفاتهم، وإن فعلوا ذلك ووقعَ منهم بذلك رغبةً إليه في
السفه والإغراء بمعاصيه وقلبِ اللغة، وإبطالِ الترغيبِ والترهيبِ والكذبِ
في خبرِه، والتسويةِ بين أعدائه وأوليائه، والظلم باهل طاعته إذا لم يفرق في
الأسماء القبيحة بينَهم وبينَ حالَي الإجرام والذنوب، واللهُ سبحانَه لا يثني
على قومِ هذه صفَتُهم، وإن كانوا رغبوا إليه في أن لا يسميهم بذلك إذا لم