يفعل الغل والنفاقَ فكأنهم إنما رغبوا إليه في أن لا يكون عليهم ولا يضيف
إليهم ما لم يكن منهم، ويصفهم بما ليس في صفتهم، وفي أن لا يظلمهم
ولا يجورَ عليهم في ذمًهم بما لم يكن منهم، واللهُ يجل عن هذه الصفةِ وعن
مدحِ قومٍ رغبوا إليه في أن لا يكون على هذه الأوصاف.
وكل هذا يدلُّ على ما قلناه، وعلى إبطال ما قالَه القدريةُ والملحدون
في آيات الله، وكذلك القولُ في كل رغبةٍ وقعت من مؤمنٍ في أن يجعلَه
مؤمنا مصدقا وأن لا يجعله كافراً ولا ضالاً نحو قول إبراهيم: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)، ، ولا يجوز أن يكون معنى
هذه الدعية أن سمينا مُسْلِمَيْنِ إذا أسلمنا أو سمينا بذلك، وإن لم نُسلِم ولا
أن تُبينَ لنا وأمرنا لأحدٍ سبقَ منه هذا الأمرُ وتقدم إليه وإلى غيره من
الكافرين، فالتعلقُ بكل هذا تعليل وتمريض.
وقولُهم بعد ذلك: إن هذه الدعوات من الرُّسل ِ والمؤمنينَ إنما وقعت
على وجه الرغبة فقط، لا معنى لها ولا يجوز على غير ما رغبوا إليه فيه.
وأنها بمثابة قوله لنبئه: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)، وقد عُلمَ أنه لا يجوز عليه
الحكمُ بغير الحق وإنما ذلك أمر بالرغبة فقط، إنما هو لبسٌ وقصد للتمويه
لأن التأويل في قوله: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) : أي عجل الحكمَ به كله أو
بعضَه، لأنه تعالى له تعجيلُ الحكمِ بالحق وله تأخيره، وليس له عند
المعتزلة تقديمُ جعل الغل للمؤمنين في القلوب ولا تأخيرُ ذلك ولا يصح أن
يقع منه بحال، وهذا يبطلُ تمويهاتِهم بهذه الأباطيل.