افتَرى أنه فعل بهؤلاء ما فعلَه بمن قال وألَف بينَ قلوبهم، وبمن قال وكنتم على شفا حفرةِ من النّار فأنْقذَكم منها، لولا الجهلُ والعنادُ وقصدُ التمويه والإلباس، فهوكيف يكون ذلك كذلك واللهُ تعالى يقول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩).
فأخبر أنّه للخلاف الذي لا يزالون عليه خلَقَهم، وأنه قد حقت كلمته بأن يملأ جهنَّم من الجِنّة والنّاس أجمعين، ولا يجوز أن يكون قولُه ولذلك خلقهم منصرفاَ إلى الرّحمةِ وهو يقول: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)، ويقول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)، (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)، ، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ)، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، فكلُّ هذا يدلُّ على بطلان تأويلهم.
وأمَّا تعلقُ القدريّة في كثيرٍ من إخباره تعالى بإنعامِه على المؤمنين
وتأليفِه بينَ قلوبِهم واستنقاذِهم من جهنَّم وحرمان الكفار ذلك أجمع، بأنّه
إئما أُريد بذلك إعطاؤه تعالى للمؤمنين الألطافَ الداعيةَ لهم إلى فعلِ
الطاعة، والجامعةَ لهمَمِهم عليها، وأنّه ليس له مثلُ هذه النِّعمة والهداية على
الكافرين، فإنّه أيضاً باطل من قولهم، لأنّ اللُّطف عندهم واجب على الله
سبحانَه فِعْلُه بعد تكليفهم وقَبُحَ منه تركُه، كما أنّه يجبُ عليه فعلُ الإقدار
والتمكينُ وفعلُ الثواب والجزاء بعد الطاعة، فمحال منه إذا أن يمتنَّ على
المؤمنين بما هو واجب عليه ولازم له، ولأنه تعالى أيضا عندهم غيرُ قادر
على إعطاء مثل ذلك اللطفِ للكافرين، ولا هو عنده وفي خزائنه وسلطانِه،