فأضافَ الإملاءَ والصّرفَ عن آياتِه إلى نفسِه وجعلهُ من أسباب ضلالِهم.
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦)، فأضافَ تقييضَ الشيطان إلى نفسه، وجعلَ ذلك من أسبابِ ضلالِ
المتبع لغيره، وقال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦).
فأخبرَ أنّ سببَ هلاكِهم، هو إرادتهُ لذلكَ وتأميرهُ لمن في أهل القرية.
فبيَّنَ تعالى بجميع هذه الآيات وجهَ إضافَةِ الضّلال والإضلالِ إليهم.
ووجهُ إضافَةِ ذلك إليه وأكذبَ من افترى عليه، وقال إنّه غيرُ خالقٍ لأفعال
عبادهِ ولا قادرٍ عليها ولا مالكٍ لها، ومن قال من العبادِ لا يكتسبون شيئاً ولا
يقدرون عليه ولا يتعلق بهم أمر من الأمور وأنّهم كالباب والحجر والجماد.
ومتى تُدُبِّرَتْ هذه الآيات ونزلتْ التنزيلَ الذي وصفناه ورُتبت الترتيبَ الذي
رتّبَه اللهُ تعالى وأرادَه انتفى عنها التناقضَ والاختلاف، وصارَ بعضُها حجّةً
لبعضٍ وشاهدا بصدقه، ومتى جُهلَ ذلك التُبِسَ عليه الأمرُ وضُرب بعضُ
القرآن ببعض، واعتمد تنافيه وتناقضه، وصارَ ذلك ذريعة إلى تعطيلِه
وتلاحُدِه نعوذُ بالله من الحيرةِ والضلال.
فأما تعلقُ الملحدةُ والقدريةُ في معارضةِ ما تلوناهُ من الآي في أنّ الباري
مضِلٌّ لمن شاء من العبادِ بضروبِ الضلالِ الذي ذكرناه بقوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، فإنه من عِناد
الزنادقةِ وجهلِ القدرية وغفلتها، وذلك أن اللهَ سبحانَه عاب هذا القولَ من
قائله وذمّه وفنَّده عليه، فقال في أول القصة: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ)، فعيَّرهم بهذا القول وأخرجَه مخرجَ الذم لهم عليه، ثم قال: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) فردّ هذا القول