قالوا ذلك على وجه النفاق واعتقاد خلاف ما يظهرون من هذا القول، وعلى وجه الهزل بالرسول والإنكار لقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ).
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا).
ونحو هذا القول، فقالوأ هذا القولَ على وجه الرد والإنكار، كما قالَ سبحانَه في ذمهم بقولهم: (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ)، وهذا القولُ حقٌ لمن قالوه معتقدين لصحّته ولكنّهم قالوا ذلك على سبيل التكذيب للرسول، وكما ذمّ المنافقين بقوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١).
فأكذبهم في قولهم، لأنّهم قالوه نفاقا على غير وجه الاعتقاد لصحته، ويدلُّ على ذلك أنّ القومَ كانوا يجحدون الرحمن وينكرونَه ولا يعرفون اللهَ سبحانَه فيكف يصدقون بأنّه لو شاء الرحمن ما عبدوهم.
قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (٦٠).
وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، فقالوا هم لما سمعوا ذلك لو شاء اللهُ ما أشركنا ولا آباؤُنا ولا حرمنا من شي، قال اللهُ سبحانه: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا)، فأخبر أنّهم قالوا هذا القولَ على وجهِ التكذيب، وكل هذا ردٌّ على الملحدةِ والقدرية، وكيف يجوزُ أن يعرفَ اللهُ سبحانَهُ ويعرفَ أنه لو يشاء أن يؤمن لآمن من هو كافر ومن هو غير عارف به، هذا جهلٌ ممّن ظنّه وتوهّمه لأنهم لو عرفوا اللهَ وعرفوا أنّه قادرٌ على أن يلطف بهم ويجعلهم مؤمنين لكانوا مصدقين أبرارا، ولم يكونوا كافرين مكذبين ولم يقل الله: ((كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)