من القبيح وخلاف للحسن، فوجبَ بذلكَ بطلانُ ما قالوه، وهذا كما يقول: إن رميَ الكافرَ للمؤمنِ وإصابتَه له غير متفاوتٍ عليه، من حيثُ كان إصابةً
لما قَصدَه ولتأتيه على ما أراده وإن كان متفاوتا عليه من حيثُ قصدهُ حسنا
دينا فكان قبيحا فاسداً، فإذاً ليس في جميع خلق اللهِ ما هو متفاوتٌ على اللهِ
تعالى، وإن كان منه المتفاوتُ على غيرهِ لتأتيه بخلاف قَصده وإرادَته.
وأما قولُه تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)، فإنه لا معارضة بينَه وبينَ إخباره عن إضلال الكُفار وخلقِ أعمالهم والختمِ على
قلوبهم، لأنه لم يقل الذي حسَّن فيكون معناهُ جعلُ الشيء حسنا، وإنَّما قال
الذي أحسن يعني يحسنُ كيف يخلقُ ويعلمُ ذلك، وهذا كما يقولُ: إن الكافر قد أحسنَ الرميَ إذا أصابَ نبيا ومؤمنا فقتلهما، ولا نقولُ إن رميه حسن، ولا أنه محسن في فعله، وإنما نعني بقولنا أحسن الرميَ أي علم ذلك
وأحسنه، على أنه يمكن أن يكونَ أراد بقوله: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) من
خلال المعاصي التي نهى عنها، والعمومُ عندنا لا صيغة له، وهذا كقوله:
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢).
(وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)، (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ)، (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)، أي: بعض الأشياء فكذلك قوله: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ)، معناه بعضَ الأشياء إن كان من حَسُنَ يحسن، وإن كان من أحسنَ يُحْسِن فهو على العموم في جميع ما خلقه، لأنه عالمٌ بجميع خلقه.
وأما قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا).
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)، وإنما المعنى في
ذلك أنه خلقَهما بقوله كونا، وقولُه الحق، وقوله: وما بينهما باطلاً، أي ما