نقولُ: إن اللهَ خلقَ هدايةَ كل مهتدي في المعلوم أنه يرتد ويرجعُ بعد هدايته
وخلقَ رجوعه عن ذلك، وليس في قوله فاستحئوا ما يدلُّ على أنه غيرُ خالقٍ
لاستحبابهم وضلالهم.
ويُحتمل أيضا أن يكونَ إنما أراد بقوله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ)، فهدينا
فريقا منهم وهم المؤمنون ويكون قوله: (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) مقصوداً به الكافرين منهم دون الذين لم يستحبوا لأنهم كانوا فريقين مؤمنون
وكافرون، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥).
فيمكن أن يكون الذين هداهم المؤمنون، والذين استحبوا العمى على الهدى هم الكافرون، فيكون قولُه: هديناهُم على الخصوص، وكذلك قوله: فاستحبوا، فبانَ بهذا أنه لا اعتراضَ لملحد ولا لقدَريٍّ بهذه الآية علينا ولا تعلق.
وأمَّا تعلقهم بقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)، وقوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)، وأنه أيضاً لا تعلق لملحد فيه ولا لقدري، بل هذه الآياتُ كلّها شاهدة على فساد قول القدريّة، وذلك أنه لا تعارضَ بين قوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) وبينَ إخباره عن إضلاله لكل ضال على سبيل الابتداء والجزاء، لأنه يُحتمل أن يكونَ أراد أنهم لما زاغُوا زيغا أولاً أزاغَ الله قلوبهم زيغا ثانيا هو أشدُّ من الأول، وإعماء لهم أكثرَ من الأول لأنه تعالى حكم أنه لا يزيغُها ذلك الزيغَ الشديد إلا بعد زيغٍ أول هو دونَه، وأن يجعلَ ذلك جزاءً لهم وعقوبة على الزيغ