قيل لهم: فكان الله عندكم لا يسمّي الفاسقَ العاصي بمعصيته
وفسقه حتى يتقدم منه فسق وعصيان قبل ذلك، فإن كان قالوا: أجل.
قيل لهم: فإذا جاز أن لا يسميهم بالفسق والعصيان الأول وإن كان كالثاني ومن جنسِه ويكون ذلك عدلاً وصوابا منه، فلم لا يجوز أن لا يسميهم أيضاً
بالفسق والعصيان الثاني؟!، ويكون ذلك عدلا وصواباً منه، ولم لا يجوز أن
لا يسمى العبدُ بطاعته وإيمانه الأول المبتدأ ويسميه بمثل ذلك إذا وقع منه
ثانياً، وهذا جهل منهم وتخليطٌ، فبانَ بذلك أن هذه الآيات بأن تكون على
القدرية أولى، وأنه لا مغمزَ ولا مطعنَ لملحد فيها.
وقد فسَّر الناسُ قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) على أنّه لم يكن الله ليضلَّ المؤمنين بعد أن آمنوا
واهتَدوا، ويتركَ أن يبينَ لهم ما يجبُ أن يتمونه ويحذرونه من استغفارهم
للمشركين، وذلك أنّ المؤمنين كانوا يستغفرون للمشركين، وأن النبى - ﷺ - أراد أن يستغفر للمشركين، لأبيه أو لبعضِ عمومته، فأنزل اللهُ تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى)، فقال النبي - ﷺ -: "إن إبراهيمَ استغفر لأبيه "، وقال المسلمون: "إن استغفر النبي لأبيه أو لعمه استغفرنا لآبائنا وأمهاتنا"، فنهاهم الله عزَ وجل عن ذلك، ولو تركهم وذلك مع حُكمِه بأنّه لا يغفرُ ولا يحل الاستغفارُ لهم لكان ذلك ضلالاً منهم وذهابا عن الحق الذي هو حكم اللهِ ودينه، فلم يدعهم الله وذلك وأن يضلوا
بفعل ما يظنونه جائزأ سائغاَ فانزل جل ذكره: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)، إلى قوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)، فإنما أرادَ بهذا الإضلالِ تركَ البيان للمؤمنين ما يجبُ أن يبن